يعيش المجتمع اليوم في عصر يتداخل فيه العالم الافتراضي مع الواقع بشكل متزايد، تثير هذه الظاهرة العديد من التساؤلات حول تأثير العالم الافتراضي على العواطف والأفكار، وأهمية الوعي بالحدود بينهما، ومن خلال هذا المقال، سنناقش كيف يصبح التعلق بالعالم الافتراضي أكبر من مجرد ترفيه، وكيف يؤدي هذا التعلق إلى تصورات خاطئة عن الواقع. من المؤكد أن العالم الافتراضي هو بيئة رقمية تتفاعل فيها الشخصيات والمحتويات بشكل يخلق إحساساً بالواقع الوهمي، ولا شك أن هذا الفضاء الإلكتروني مكن الأفراد من التعبير عن أنفسهم بطرق قد تختلف تمامًا عن حقيقتهم، ناهيك أن تأثير هذا العالم لا ينحصر في الشاشة بل يمتد إلى حياتنا اليومية، حيث يمكن أن تتشكل العلاقات والآراء دون الاتصال المباشر، مما يؤدي إلى تصورات مضللة. ففي عالم الفضاء الأزرق مثلا، نجد شخصيات وهمية تم تصميمها لتظهر في صورة المثالية أو البراعة، قد يظن البعض أنهم يتواصلون مع شعراء أو ناشطين حقيقيين، بينما في الواقع هم يتعاملون مع أشخاص قد لا يكونون كما يظهرون، مما يؤدي ذلك إلى انعدام الثقة في العلاقات وقد يسبب خيبة أمل عندما نكتشف الحقيقة وراء هذه الشخصيات. تستخدم الشعارات العاطفية كأداة لتحريض الناس نحو قضايا أو أهداف معينة، هذه الشعارات تدغدغ المشاعر وتجعل الأفراد يتعاطفون مع قضايا قد لا تكون لهم فيها علاقة حقيقية، هذا الاستخدام للعواطف يمكن أن يجعل الأفراد يتبعون مسارات قد تكون بعيدة عن الواقع، مما يؤدي إلى تباين كبير بين العواطف المعلنة والحقائق المؤلمة. غالبًا ما تنشأ فجوة كبيرة بين الشعارات التي نسمعها والواقع الذي نعيشه، وكما قيل ليس كل ما يلمع ذهب، في دلالة قوية على أهمية تبين الواقع وعدم الانجرار إلى الأوهام والمظاهر الكاذبة، فالكلمات الجميلة لا تُترجم دائمًا إلى أفعال واقعية تساهم في التغيير الإيجابي، فعندما نخرج من عالم المشاعر الزائفة، نجد أن الحقائق القاسية تفرض نفسها، مما يدفع الأفراد للشعور بخيبة أمل. يمكن أن يؤدي التعلق بالأوهام إلى نتائج سلبية على المستوى الشخصي والاجتماعي، فالأفراد يعيشون في حالة من التشويش الذهني، حيث تسيطر عليهم المشاعر المظلمة وتؤثر في قراراتهم. وهذا قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية وفقدان الثقة بالنفس عندما تتضارب الأوهام مع الحقيقة. ومن الأهمية بمكان أن ندرك قيمة العيش في الواقع وتكوين علاقات قائمة على الحقائق، فالأشخاص الذين يستحضرون الحقائق في حياتهم يمكنهم أن يبنوا مجتمعات أقوى وأكثر استدامة. ولا ريب أن المجتمع القوي يتطلب أفرادا يتمتعون بالوعي ويعتمدون على الحقائق بدلاً من الشعارات المعسولة. في النهاية، لا يمكن أن تُبنى الأوطان وتنمو من خلال الأوهام والدعايات والشعارات البراقة التي تخدم مصالح الأمة وواقع الشعوب، بل يجب أن تكون القيم الأساسية مبنية على الحقائق، والتعاون الفعّال بين الأفراد، وبالاعتماد على الواقع، يمكننا بناء مجتمعات مهنية ومستدامة تعمل من أجل الخير العام وتجنب الانزلاق إلى العالم الافتراضي الخادع. *أمين عام المجلس الإسلامي العربي