المشاريع الكبيرة والصروح العظيمة تبدأ من خلال فكرة، وخلال الزمن تصبح واقعا مشهودا، ومن أكثر الأفكار المؤثرة في وجهات الإنسان وتطلعاته في الحياة هي تلك الأفكار النوعية التي تتعلق بالفكر والأدب والثقافة، لأنها تباشر العقل الإنساني، وتتعامل مع الجانب العقلي والمعرفي بالدرجة الأولى، والمبادرة التي تبنتها الهيئة العامة للترفيه التي تقوم على اختيار لجنة مميزة نخبوية من النقاد والأدباء والروائيين والفنانين السعوديين لتقييم الأعمال والنصوص الروائية والتي تقوم على ترشيح النصوص الروائية القابلة للتحويل إلى أفلام سينمائية، هذه المبادرة في نظري تشكل قفزة نوعية في الفكر التحفيزي للانتاج الأدبي المبدع الخلاق، وهي علامة فارقة في المسيرة الثقافية والأدبية والفنية على المستوى المحلي، لأنها تؤسس للعديد من المكتسبات الوطنية الفكرية المهمة ومن أبرزها تعميق أواصر الصلة بين الفنون الإنسانية والدفع بعجلتها نحو المزيد من الإبداع، كما أن الأضواء ستكشف المزيد من هذا النتاج الإنساني على مستوى كتابة النص والفلم السينمائي على حدٍ سواء، لأن شرط الفلم أن يستجيب النص لقابلية التحويل السينمائي، ومعنى ذلك أن هذا سيؤدي إلى العناية بالعناصر المهمة في العمل الروائي بشكلٍ مبدئي، على مستوى اللغة، أو المكان والزمان، أو الحوار، أو طبيعة الشخصيات، ثم بناء على ذلك سيسعى العمل السينمائي إلى حشد المزيد من الخبرات الفنية بكل أشكالها من أجل تقديم عملٍ سينمائي يشكل إضافةً تنافسية جديدة في المجال الفنيّ، كما أنّ هذه الجائزة تقوم على حضور وفاعلية التقييم والترشيح والاختيار من قبل لجنةٍ نخبوية لأسماءٍ لها خبراتها وعطائها الطويل، بحيث تتبادل الآراء ووجهات النظر حول النصوص المرشحة، وكل هذا تفاعلٌ إيجابي حيويّ، يعد إضافة كبيرة سترفع من مستوى النقاش والتحليل والتناول لهذه الأعمال المرشحة، فيتهيأ لنا حراكٌ إنسانيّ فعّال، يرفد الحركة الروائية والسينمائية المحلية بشكل إيجابي له قيمته الثقافية والفكرية. وقد آن الأوان بالفعل لأن يحدث هذا التحول (الأدبي الفني)، فقد تراكم المحصول الإبداعي عبر العقود الماضية واستوى على سوقه، وأتت هذه الجائزة الفريدة لتؤكد القيمة الأدبية والتاريخية للنص المحلي، ولتفتح الباب أمام منجزات سينمائية تنتمي بكل أبعادها لإنسان هذه الأرض، بحيث تضاف لمنجزاته التاريخية التي نشهدها وننتظر المزيد منها، إنها مبادرةٌ قد تبدو للبعض مجرد جائزة تشجيعية، لكنّ المتأمل للأهداف العميقة، سيدرك الكثير من الأبعاد المهمة -غير المباشرة- التي تنطوي عليها هذه الجائزة، وسنجني مع الأيام مكتسباتٍ فنيةٍ وأدبية ترتقي بهذه الفنون الجميلة إلى مستويات متقدمة، وتلفت الأنظار نحوها، وتزيد من الإقبال عليها ومن جماهيريتها، وسوف تشكل -بإذن الله- رافدا إبداعياً مهماً، ينعكس على أجيالنا القادمة وينسجم مع رؤيةٍ وطنيةٍ مميزة تمضي بثباتٍ نحو تحقيق أهدافها المرسومة.