فجعنا قبل أيام قليلة برحيل الأخ العزيز الشيخ المؤرخ النسابة الشريف محمد بن منصور بن هاشم ال عبدالله الشهير (بالنجدي) رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والشريف محمد يحتل مكانة كبيرة في قلبي وفي نفسي وأجزم أنه يحتل ذات المكانة لدى كل من عرفه أو زامله أوتعامل معه، وعلاقتي به أخوية امتدت لأكثر من نصف قرن مضت، وكانت بداية معرفتي به رحمه الله عندما انتقلت للعمل إلى الطائف قادمًا من الرياض في الثمانينيات الهجرية، التقيته في مجالس ثقافية وأدبية في الطائف المأنوس، منها مكتبة المعارف لصاحبها الشيخ محمد بن سعيد كمال رحمه الله، حيث كانت مكتبته ملتقى للمثقفين، ومجلس السيد محمد المؤيد صاحب مكتبة المؤيد، كان له مجلس ثقافي بمنزله يحضره العديد من الأدباء والمثقفين، وكنت في لقاءاتي مع الشريف محمد ألحظ ما لديه من سعة اطلاع وثقافة لافتة، ومن هنا بدأت المعرفة والصداقة بيننا إذ جمعتنا هواية القراءة وشغف المعرفة، واستمرت هذه العلاقة وتوطدت على مر السنوات حتى توفاه الله تعالى، وقد تميز رحمه الله بحبه للاطلاع بشكل عام منذ بداية حياته حتى كوَّن قاعدة معرفية ثقافية مكنته من المشاركة في الكتابة في بعض الصحف بمشاركات متنوعة ومقالات ثقافية وقصائد شعرية فصيحة موزونة مقفاة، واستمر على ذلك مضيفًا إليه اتجاهه بشكل أكبر للتاريخ وعلم الأنساب، وتعمق فيها كثيرًا اطلاعًا ودراسةً، فيما كُتب فيها من أصول ومصادر أصيلة حتى استظهرها عن ظهر قلب، ساعده في ذلك ما لديه من ذكاء وفطنة وسرعة بديهة وحب للاطلاع عمومًا وشغف بعلم التاريخ والأنساب بشكل خاص حتى برع فيه وبرز، وأصبح علمًا يشار إليه بالبنان ولا أبالغ إذا قلت أن الشريف محمد بن منصور كان مرجعًا هامًا جدًا في هذه العلوم المشار إليها ليس لدى العامة من الناس فقط، بل حتى لبعض الجهات الحكومية التي كانت تطلب مشورته فيما امتاز به ونبغ من العلم، وقد ترجمتُ له في كتابي موسوعة أدباء الطائف المعاصرين منذ طبعته الأولى عام "1410ه"، وأوردت بعضًا من نتاجه الأدبي، وقد أصدر الشريف محمد عدة مؤلفات هامة منها كتابه الشهير (قبائل الطائف وأشراف الحجاز) و(المجرور الطائفي) ولقيتْ رواجًا كبيرًا لما حوته من معلومات قيمة وهامة قام بتوثيقها بعناية كبيرة جعلتها مرجعًا لا يستغني عنه القارئ والباحث وطالب العلم. وإن كنا قد تحدثنا عن الجانب الثقافي والتاريخي لفقيدنا محمد بن منصور فحري بنا أن نذكر أنه عاش يتيمًا فقد والده وهو لايزال في بطن أمه، ثم تولى جده لأبيه تربيته، وما لبث أن مات جده وعمره ثلاث سنوات، ثم احتضنته أمه التي توفاها الله وهو لم يتجاوز الست أو السبع سنوات، ثم تولى تربيته بعض أقاربه، وبدأ معترك الحياه باكرًا شابًا يكافح بهمة وصبر وجلد على ما كتبه الله عليه من أقدار حتى أفاء الله عليه بالخير والعلم والرزق والأبناء البررة، ولا ننسى أنه كان رحمه الله إلى جانب علمه وثقافته على خلق ونبل وتواضع وكرم، كما كان محبًا للخير ساعيًا فيه مصلحًا لذات البين، وإذا كان الشيخ الشريف قد غادر هذه الدنيا الفانية فحسبنا أنه ترك أثرًا طيبًا وذكرًا حسنًا وعلمًا ينتفع به. علي خضران القرني