ما زال الحزن مخيّماً على الوسط الثقافي بعد أن ودعت الساحة الثقافية الأديب متعدد التخصصات الأستاذ علي بن حسن العبادي، أديب الطائف المعروف -رحمه الله-. ويعد العبادي أديباً وشاعراً من أدباء وشعراء الرعيل الثاني الذين سايروا الحركة الأدبية وأحد الذين كان لهم إسهام في رفع مستوى الأدب بفضل ما قدم من إنتاج أدبي وتاريخي. ولد العبادي في مكةالمكرمة عام 1350 هجريًّاً الموافق 1931 ميلاديًّاً، وتلقى علومه بالمعهد العلمي السعودي حيث نال شهادته العالية، بعدها التحق للعمل بمجال التدريس الذي أمضى فيه أكثر من أربعين سنة، حيث عمل مدرسًا في المدرسة المحمدية بمكةالمكرمة، ثم انتقل إلى الخرمة وأسس مدرستها الأولى وتولى إدارتها، ثم عمل مديرًا لمدرسة الملك عبدالعزيز بالطائف. وعُين رئيساً لنادي الطائف الأدبي عام 1395ه وبقي في رئاسته ثلاثين عامًا. من مؤلفاته: نظرات في الأدب والتاريخ والأنساب. المحفوظات والأناشيد لبعض السنوات الدراسية. ما هكذا يكتب الشعر (جزءان). استدراكات وتصويبات لغوية وعروضيَّة في بعض قصائد الشعراء حصل على درع إمارة مدينة الطائف "الرياض الثقافي" التقى بعدد من الذين عاصروا الراحل وكان لهم معه ذكريات ومواقف؛ والذين أبدوا حزنهم البالغ على رحيل العبادي، عادّين هذا الرحيل خسارة كبرى على المشهد الثقافي، فقد تحدث الأستاذ عطا الله الجعيد -رئيس نادي الطائف الأدبي الثقافي- قائلاً: "رحم الله الفقيد الأديب والمربي الفاضل الأستاذ علي العبادي وعظم الله الأجر لأهله وذويه ومحبيه". وبنبرة مشوبة بمرارة الثكل يضيف: "لا يمكن أن ننسى ما قدمه هذا الأديب الكبير للثقافة والتعليم بالطائف كونه أحد مؤسسي نادي الطائف الأدبي ورئيسه لمدة ثلاثين عامًا وأحد أساتذة اللغة وعلم العروض الذين يرجع إليهم في هذا المجال من الشعراء والمتخصصين، وما زالت مقالاته التي كان يكتبها بعنوان (ما هكذا يكتب الشعر) على مدى سنوات شاهدة على تميزه، والتي كان يقوم بتصحيح وتعديل ما يقع فيه بعض الشعراء في كتابة قصائدهم، وجمعت في كتاب من جزأين طبعها النادي الأدبي بالطائف، أضف إلى ذلك دوره في مجال التعليم فهو يعتبر رائداً من الرواد في التعليم بالطائف على مدى اثنين وأربعين عاماً ساهم خلالها في تدريس عدد من الأمراء وأصحاب المعالي وغيرهم، وكان له أثر واضح في تعليم النشء والأخذ بأيديهم ودعمهم لتحقيق طموحاتهم وآمالهم". ويستطرد الجعيد في حديثه قائلاً: "نحن في النادي الأدبي قبل سنوات ساهمنا في تكريمه -رحمه الله- في حفل بهيج حضره عدد كبير من أعضاء النادي القدامى ومحبيه وعدد كبير من شباب وشابات الطائف، وتدشين الطبعة الثانية من كتاب (نظرات في الأدب والتاريخ والأنساب وقصائد ومقتطفات من شعر الأستاذ علي العبادي)، ومنحه العضوية الشرفية للنادي عرفانًا بالدور الكبير الذي قدمه للنادي وللحركة الثقافية والأدبية بالطائف". أما الشاعر والأديب د. أحمد الهلالي المسؤول الإداري بأدبي الطائف وأستاذ البلاغة والأدب المشارك بجامعة الطائف فيشير إلى أن الأستاذ علي العبادي -يرحمه الله- كان له أثر بليغ في تحفيزه وجذبه للأدب والنادي فيقول: "منذ قادتني خطاي للطائف عام 1423ه، كان أدبي الطائف أول محطة أبحث عنها، وكان رئيسه العبادي أول شخصية ألتقيها فيه، ولا أنسى تلك الليلة التي سلمت عليه لأول مرة، كان مكتبه في الدور الأرضي، مكتظاً بالكتب على الرفوف المحيطة به من جميع الجهات، وعلى طاولة المكتب أرتال من الكتب، وكان الدكتور زيد الفضيل جالسًا معه في المكتب، وهو من خلصائه، سلمت عليهما وعرفتهما بنفسي، وأبديت رغبتي في ارتياد النادي، فتلقاني بالترحاب وابتسامته المشرقة، وعرفني على مرافق النادي، ثم أهداني كتابه: (ما هكذا يكتب الشعر)، ونبّه إلى أهمية قراءته، وزاد عليه بمجموعة من إصدارات النادي، ثم دعاني إلى حضور الفعاليات. بعد أسبوع حضرت قبل الأمسية ومررت بمكتبه، فناولته قصيدة لي، قرأها وحين وصل إلى المنتصف تقريبًا، رفع نظره إلي مبتسمًا ثم أكمل، وقال: "هذه القصيدة لك؟ قلت: نعم، فأثنى وقال: استمر في كتابة الشعر، وأردف بكلام تحفيزي أعتز به، ملأني طاقة حينذاك، وظللت ملتزمًا بحضور مناشط النادي. قبل أزمة كورونا سعدنا في أدبي الطائف بالاحتفاء بالفقيد يرحمه الله وتدشين كتابه في الطائف في شوال 1440ه، بحضور معالي محافظ الطائف آنذاك الأستاذ سعد الميموني وجمع غفير من المثقفين والمثقفات من داخل المحافظة وخارجها، وكانت سعادته غامرة جدًا في تلك الليلة، وكنت أرجو أن يكرم في سوق عكاظ، وسبق أن طرحت اسمه في مهرجان الجنادرية حين شاركت في لجنة المشورة التي تسبق المهرجان، لكن لم يحصل ذلك لكثرة الأسماء التي طرحت، وأحمد الله كثيرًا أن وفق أدبي الطائف ليقوم بدوره في تكريم هذا الرمز الثقافي السعودي، سائلًا الله له الرحمة والمغفرة، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. أما الأديب فاروق بنجر فأعرب عن حزنه الشديد على فقد قامة بحجم الكبير قدراً وخلقاً العبادي؛ وقال: "رحم الله شيخنا المربي الأديب الشاعر وعلّامة العربية والنحو والصرف ورائد وناقد العروض والقافية علي بن حسن العبادي". ويضيف بنجر: "عرفته قارئًا له ومتابعًا في الصحف والدوريات في التسعينات الهجرية -السبعينات الميلادية- واتصلت به الآصرة تواصلاً في عام 1401 للهجرة رئيسًا لنادي الطائف الأدبي وحضورًا في مؤتمر الأدباء السعوديين ومناسبات وزارة الثقافة والأندية الأدبية، ومشاركًا في التأليف الأدبي والتاريخ الثقافي ومتابعًا وناقدًا عروضيًّا رائدًا0 وقد أدرك أعلام رواد وبُناة النهضة الأدبية السعودية، وتتلمذ على النخبة، وأخذ العربية والنحو والصرف والعروض والقافية متتلمذًا على شيخه العلامة السيد علوي المالكي وغيره من أعلام أساتذته في المعهد العلمي السعودي بمكة، واتصلت أواصره بعلماء وأدباء العربية والنقد الأدبي، وهو من معمري أدبائنا المعاصرين شاعراً وكاتباً في الأعلام -رحمه الله وأكرم مثواه- وترى الدكتورة والشاعرة والناقدة والأكاديمية بجامعة الطائف مستورة العرابي أنه بغياب الراحل علي بن حسن العبادي -رحمه الله رحمة واسعة وتغمده بوافر عفوه وكرمه- فقدت الطائف والوطن عمومًا واحدًا من أبرز أدبائها ومثقفيها المرموقين، الذين لعبوا دورًا فاعلًا في إثراء الساحة الأدبية والثقافية في المملكة في المجالات التربوية والإبداعية والنقدية والإدارية. فقد عمل في بداية حياته بالتعليم مدة طويلة، واهتم بالصحافة الأدبية والكتابة فيها، ورأس نادي الطائف الأدبي مدة من الزمن، وأسهم إسهامًا مميزًا في الحركة الأدبية في الطائف من خلال المشاركة في الفعاليات الثقافية المتنوعة التي كانت تقام آنذاك. له كتابات أدبية وقصائد كثيرة نشرت في الصحف والمجلات الأدبية، وقد جمع بعضها في كتاب "نظرات في الأدب والتاريخ والأنساب"، الذي نشر في طبعتين إحداهما في عام 1424 والثانية في عام 1438، كما ذكر ذلك الأستاذ علي خضران القرني. ويعد كتابه "ما هكذا يكتب الشعر" الذي صدر في جزأين من الكتب المهمة في النقد العروضي للشعر، وهو في أصله مقالات صحفية كتبها ينتقد فيها أساسًا الأخطاء العروضية والإيقاعية التي وقف عليها في كثير من القصائد التي كان يطلع عليها، وهو مرجع مهم في موضوعه، عروض الشعر. والحقيقة أن جهوده الأدبية والنقدية كانت متنوعة مهمة، ولكن تواضعه وعدم حبه للظهور ربما هو الذي جعلها تبدو أقل بروزًا لدى بعض القراء. ولعل النادي الأدبي بالطائف ينشر ما تبقى من أعماله أو يعيد نشر أعماله كاملة تكريمًا له ولجهوده في خدمة الثقافة والأدب، وهو جدير بذلك. ويشارك الأستاذ الأديب مناحي القثامي قائلًا: "يظل أستاذ الأجيال المرحوم علي حسن العبادي رمزًا في التعليم والأدب، خرج العديد من الطلاب، حيث عمل في التعليم أكثر من 41 عامًا، وهو أديب متمكن فى الشعر والنقد والأنساب، وعروضي وحيد في هذا الزمان، أصدر كتابه النقدي في مجال الشعر، وقاد الحراك الأدبي من خلال رئاسة نادي الطائف الأدبي، والتأليف والكتابة في الصحف، كان فذًا في مسيرة حياته الحافلة بالإنجازات المميزة، وقد فقد الوطن هذا الرمز الشامخ، كان متواضعاً تواضع العلماء الكبار، عملت معه في نادي الطائف الأدبي والتعليم، وكان نعم الموجه، واستفدت منه كما استفاد آخرون غيري، رحمه الله رحمة واسعة". ويضيف الأستاذ الدكتور محمد مريسي الحارثي قائلاً: "علي بن حسن العبّادي أستاذ جدير بالتقدير، والدعاء له بالرحمة والمغفرة. بدأت علاقتي به وأنا أدرس بالتعليم الثانوي. وكان يرحمه الله مفتونًا باقتناء الكتب، وزائرًا كثير التردد على مكتبة المعارف بالطائف لصاحبها الشيخ محمد سعيد كمال -يرحمه الله-، وله مكتبة جهد في جمع محتوياتها، فقد كان محبًا للثقافة العربية التراثية، وخاصة جانبها الإبداعي، وله تعليقات أدبيّة مهمة جمعها في كتابه (ما هكذا يكتب الشعر) مستدركًا، ومصححًا ما وقع فيه بعض الشعراء من أغاليط موسيقية. كان الأستاذ علي العبّادي -رحمه الله- من أوائل المعلمين بمدينة الطائف، وما جاورها. ثم رأس مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي ما يقرب من ثلاثين عامًا أو تزيد فزادت علاقته بالثقافة والمثقفين توسّعًا وعطاءً. رحمك الله أبا خالد، وجمع الله بيننا في مستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه. الراحل علي حسن العبادي صورة تذكارية بنادي الطائف الأدبي د. محمد الحارثي: كان مفتوناً بالكتب د. أحمدالهلالي: داعم ومحفّز للأدباء الشباب فاروق بنجر: علاّمة في العربية والعَروض مناحي القثامي: رمز تعليمي وأستاذ للأجيال د. مستورة العرابي: أثرى الساحة الثقافية عطاالله الجعيد: أسس ورأس أدبي الطائف ثلاثة عقود