إن للوحدة آثاراً مضاعفة على حياتنا، فالانغماس في تلك المشاعر يقصينا عن أنفسنا والآخرين من حولنا. لا يمكن أن تكون الحياة نابضة في أعماقنا بتفاصيلها دون تحقيق الاندماج بالعالم، فالشعور بالوحدة يضاعف الألم ويقلص الأحاسيس بأجمل المشاعر الإنسانية. تأخذنا الحياة بين منعطفات لا نتصورها وتجبرنا للوقوف أمامها وحدنا ومواجهة ظروفها بمفردنا، وليس هذا بالأمر الغريب، فهذه التجارب مهمة على الصعيد الشخصي في تنمية الإنسان بحس المسؤولية والإحساس الداخلي لظروف الحياة، إنها طريقة للنضج من نواحٍ عدة، دون أن تكون الوحدة هي منهج الحياة. للوحدة غرق لا يطاق، يلاحقنا ظلها حتى عندما نكون مع الآخرين، لا يمكننا أن نغني دون أن يستمع إلينا أحد، لا يمكننا أن نكتب دون أن يقرأ لنا أحد، إننا وبطريقة ما أنعكاس أنفسنا بداخل الآخر، نبحث دوماً عن من يشاهدنا ويعجب بنا ويميز اختلافنا ويتقاسم معنا خبز يومنا، فالنبتة لا يمكن لها البقاء على قيد الحياة دون سقاية، فالنفس البشرية خلقت لتتحد مع من تحب، لم نأتِ لهذا العالم لنسير فيه وحدنا، وإلا فكانت تجاربنا مريرة لا قيمة لها ولا معنى. لا أعرف هل للوحيد ذاكرة تحلق في فضاء الدنيا، وأعتقد أن ذاكرة الوحيد لها صدى فارغ مؤلم.. لا ينمو الأطفال إذا لم نلاعبهم في صغرهم، إذا لم ننظر إليهم ونصفق لهم، أو نحذرهم، فهذا التواصل والوجود هو جوهر النمو النفسي والروحي والعاطفي. الوحدة تجربة ذاتية تربك تاريخ الإنسان وتفصله عن العالم كله، قد تكون من أكثر المشاعر إيلاماً، على الصعيد النفسي والجسدي. قد ينمو الشعور بالوحدة لأننا الحلقة المفقودة التي لا نفهمها، فأنفسنا الصامتة الضائعة التي لا ندرك تاريخها، وأحلامها وأمانيها، تجرنا نحو الفراغ نحو الإحساس العميق بالوحدة الدائمة حتى عندما نكون مع الآخرين، تكرر موضوع الوحدة في الأدب، ورسم الكثير من الشخصيات التي تعاني الوحدة، فأبرز سمات الوحيد: الحزن الصارخ بالصمت. ففي عالمنا اليوم قد نعاني كثيراً من الوحدة الروحية التي تجعلنا نفوت تفاصيل الحياة، لا يمكننا أن نسير للأبد بجانب ظلالنا ونغني، فالوحدة عالم مؤلم، ونحن دوماً في حاجة إلى صوت ناعم يخبرنا بجمال واتساع الحياة..