تلعب الاحتياطات الأجنبية للدول دورا مهما في توفير بيئة اقتصادية مستقرة وتعزيز ثقة الدائنين والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد الوطني وفي أهمية البلد بخصوص الوفاء بالتزاماته المالية الخارجية، وتسعى الدول إلى زيادة احتياطاتها الأجنبية بهدف القدرة على مواجهة الصدمات التي تنتجها الأزمات الاقتصادية ولعل آخرها الأزمة الاقتصادية التي أحدثتها جائحة كوفيد 19، ولما كانت المملكة تمتلك احتياطيات أجنبية ضخمة فإنها تمكنت -ولله الحمد- من تجاوز هذه الأزمة بكل اقتدار مما جعلها من الدول الأسرع تعافيا من آثار الجائحة، ورب ضارة نافعة فقدت زادت الثقة بالاقتصاد السعودي وتدفقت الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى خلال الأزمة، حيث ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في نهاية الربع الأول من هذا العام بأكثر من 258 مليار ريال بنسبة نمو بلغت 146 % مقارنة مع نهاية عام 2019 في ظل تغيرات مصاحبة للبيئة الاقتصادية والسياسة الدولية، الأزمة الاقتصادية لا شك أنها استنزفت حجما لا يستهان به من الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي ولكن هنالك عمل دؤوب لإعادة بناء الاحتياطات ويلاحظ ذلك في الزيادة التي أظهرتها نشرة ساما الإحصائية عن شهر مايو والتي سجلت ارتفاعا إلى مستوى 1,668 مليار ريال مقارنة مع الرقم الأقل خلال السنوات الماضية الذي سُجل في شهر أكتوبر من العام الماضي 2023 والذي كان عند 1,524 وبنسبة نمو بلغت 9 %، وقد نشهد قفزة قوية في الاحتياطات الأجنبية في شهر يونيو آتية من صفقة بيع الحكومة لجزء من حصتها في شركة أرامكو من خلال الطرح الثانوي الذي أدخل على خزينة الدولة نحو 46 مليار ريال وهذه الزيادة سوف تحافظ على التصنيف الائتماني القوي للمملكة، وقد ترفع وكالات التصنيف الائتماني تقييماتها المستقبلية للاقتصاد السعودي، وبالتأكيد أي رفع للتصنيف الائتماني سوف يتبعه زيادة ثقة المستثمرين في اقتصاد المملكة، الدولار الأميركي عملة الاحتياط العالمية وذلك منذ مؤتمر "برتون وودز" الذي انعقد في يوليو 1944 مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تم اعتماد الدولار الأميركي عملة للاحتياطي النقدي العالمي، إضافة إلى أن الريال السعودي مرتبط بسعر صرف ثابت مع الدولار الأميركي، بحيث تكون جميع العملات العالمية مربوطة بالدولار، وعلى الرغم من المطالبات بفك الارتباط بالدولار الأميركي لصالح سلة من العملات بحيث لا يتأثر الاقتصاد السعودي بقرارات الفيدرالي الأميركي وخصوصا في السنوات الثلاث الماضية التي رفع فيها الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة من 0.50 % الى 5.5 % ما دفع المركزي السعودي إلى مجاراة الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى 6 % مع أن الاقتصاد السعودي لم يكن بحاجة الى رفع أسعار الفائدة لولا ارتباطه بالدولار الأميركي؛ لأن معدلات التضخم في الحقيقة لم تكن عالية بالقدر الذي يدفع البنك المركزي السعودي إلى رفع أسعار الفائدة والتي أثرت بشكل واضح على نمو الأنشطة الاقتصادية، وهكذا يرى بعض الاقتصاديين أن ارتباط الريال بالدولار سلبي على الاقتصاد السعودي، وهنالك من يعتقد أن استقرار الاقتصاد السعودي لن يتحقق على المدى الطويل إلا بالارتباط بالدولار الأميركي، ومن المؤيدين لذلك صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى ذلك في بيانه الصادر في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2024، حيث ذكر أنه من الملائم استمرار العمل بنظام ربط العملة المحلية بالدولار الأميركي، حيث وفر نظام سعر الصرف ركيزة ذات مصداقية للسياسة النقدية، وهو مدعوم بهوامش أمان خارجية كبيرة، وبوجود حساب رأسمالي مفتوح، من الأهمية بمكان أن تواصل أسعار الفائدة الأساسية التي يطبقها البنك المركزي السعودي التحرك تماشيا مع أسعار الفائدة الأساسية التي يحددها نظام الاحتياطي الفيدرالي، بحيث تضمن علاوات المخاطر الوصول إلى مستوى من فروق أسعار الفائدة يتسق مع نظام ربط سعر الصرف. ويمكن أن يكون استمرار استخدام أدوات السياسة النقدية القائمة على السوق أمرا ضروريا، وأيضا تحسين التنبؤ بالسيولة وإدارتها عن طريق تعزيز عملية جمع البنك المركزي السعودي البيانات من الكيانات الحكومية، وتوسيع إطار متطلبات الاحتياطي الإلزامي، وذلك من شأنه أن يعزز الفعالية في عمل سوق المال بين البنوك، السياسة النقدية السعودية ساهمت في بناء قطاع مالي متين ومتطور تقنيا.