صورة خلدت في الذاكرة، ومشهد لا يمكن محوه بسهولة حين اجتاحت الكورونا العالم، سلبت منا ملامح الحياة، غيرتنا كثيراً وتعطل الكون بأكمله، سكن كل من في الأرض فجأة، حتى الهدوء منقطع النظير أصيب بالقلق الذي عمّ الأجواء، كفّ كل شي عن التنفس، أصبح الهواء خطراً يلوح في الأفق، والمرض ينتشر عبر الأشياء بسرعة مخيفة، لا عناق ولا مصافحة، ندخل منازلنا بخوف ونتوارى خلف الجدران، نرمي أشياءنا قبل الدخول لمنازلنا ثم نغتسل بعمق الخوف من المجهول، سباق مع الوقت وترقب مرير لأي مستجد يطرأ، النهار والليل تضارعا، مشهد مهيب توقف فيه الزمن، ارتدينا الأقنعة التي أخفت مشاعرنا، كأن شيخوخة أصابت الأرض، ولم يعد يسمح لنا بأن نجوب السماء مرة أخرى، أوصدت الأبواب وأغلقت النوافذ، ليس هناك سوى الظلال، كان يوماً لا يمحى من التاريخ الذي علقت فيه الدراسة لأجل غير معلوم، انكفأ الجميع بعزلة توارى معها ضجيج النهار دون أن يقول الوداع، اختفت معالم الحياة فجأة، تغيرت عقارب الساعة، انطفأ وهج الصبح وغاب معه ضجيج الطلاب، نظامنا كله أصيب بعطل اجتاح المنازل والدكاكين والشركات والمؤسسات، أجسادنا تصلبت وساعاتها البيولوجية اضطربت، تحول وجه المدينة إلى وجه يشبه وجه الأشباح، حينها سخرت وزارة التعليم كل جهودها لمواجهة الجائحة، وانتقلت بكل كوادرها التعليمية والإشرافية إلى منصة تعليمية عبر الأثير، خطوة جباره للحد من توقف العملية التعليمية، باتت مؤسسات التعليم قادرة على الوصول إلى المتعلمين بغض النظر عن مكانهم، مما طور صورة جديدة أدت إلى تغير طرائق التعليم ووسائله على نحو مستمر، من ضمنها التعليم الإلكتروني. ومما استدعى هذا المشهد للذاكرة كتاب قرأته بعنوان (التعليم الإلكتروني التفاعلي من خلال المشاعر وتعبيرات الوجه والتغيرات الفيزيولوجية) لمؤلفه البروفيسور عبدالكريم الجهني الحاصل على الدكتوراة في تقنية المعلومات والاتصالات التعليمية من جامعة كانساس، والذي أسس فيه المؤلف منصة تفاعلية لدراسة تعبيرات وجه المتعلم ومشاعره وتحويلها إلى تغذية راجعة يقيس فيها ضبط عملية التشتت للطلاب وقياس الكفاءة المهنية للمعلم، وقد قسم الكتاب إلى ستة فصول مترابطة ومتكاملة، وأثرى الكاتب مؤلفه بمعلومات أساسية لمواجهة مشكلات التعلم الإلكتروني لدى المتعلمين وتقلب المزاج والسلوك الانفعالي لديهم، وكذلك التعرف على الوجه من خلال مقياس استجابات المتعلمين بشكل فوري حيث تهدف المنصة لقراءة الوجه والتعرف على المشاعر وتحويل القراءات الفيزيولوجية إلى بيانات مفيدة تسهم في متابعة اليقظة الذهنية والانضباط لدى المتعلم خلف الشاشة، وتحليل الصوت والصورة تقنياً لفهم مشاركة المتعلم وفهم سلوكه، والكشف التلقائي عن المشاعر الذي يمكن أن يعوض غياب الإشراف البشري اللازم ويعطي تغذية راجعة للمعلم/المدرب والمتعلم/ المتدرب، كما شرح المؤلف في كتابه آلية عمل المنصة وكيفية التفاعل الذي يحدث بين الإنسان والآلة، وقد أشاد البروفيسور إدوارد ماين الأستاذ الفخري بجامعة كنساس بهذه المبادرة قائلاً: "إن المؤلف قام بعمل باهر في رفع أدبيات الأبحاث المنشورة حول منصات التعلم الإلكتروني"، ومهما يكن فإن دراسة الجهني تتوشح بلباس الحداثة والجدية، ويتبدى ذلك من خلال بنية كتابه التي أسهمت في إضافة نوعية في مجال تصميم التعلم الإلكتروني عن بعد، كما أوصى أ. د. محمد المشيقح أستاذ تكنولوجيا التعليم والاتصال بجامعة الملك سعود بأن يكون هذا المؤلف مرجعاً لطلاب الدراسات العليا المتخصصين في مجال تكنولوجيا التعليم. ولا عجب أن يكون أبناء وبنات الوطن من الرواد في الابتكارات الوطنية التي أصبحت في مصاف المسابقات العالمية، ويبقى السؤال العلمي الذي يحمل بين طياته مقترحاً فعالاً، ماذا لو تم تعميم هذه المنصة الرائدة على البرامج التعليمية والتدريبية المقدمة من المؤسسات الحكومية كوزارة التعليم والجامعات وكليات التدريب التقني ومعهد الإدارة وغيرها والاستفادة من الأفكار العملية التي ذكرها المؤلف والتي يمكن الاستفادة منها لأعضاء هيئة التدريس من دكاترة ومحاضرين ومعلمين في التعليم الجامعي والعام والمدربين في برامج التدريب الطويلة، لقياس نواتج التعلم والتدريب لاستكمال وتحقيق أهداف التعلم الإلكتروني التفاعلي عن بعد؟