بين الدروب المتشعبة التي باعدت بيننا وبين الأحياء الشعبية وأسواقها، وبصحبة بعض الأصدقاء كنت في جولة في أحد المجمعات التجارية لشراء غرض معين، وما أن اقتربت من المكان إلا وكانت المفاجأة بالمرصاد حين شاهدت أكواماً من الكتب على الأرصفة تباع بأبخس الأثمان!. للوهلة الأولى اعتقدت أن أحدهم كان لديه الرغبة لتجديد مكتبته المنزلية والتخلص من بعض الكتب المكررة بعد أن تشبع من قراءتها وشربها، فأراد تغييرها بإصدارات جديدة، إلا أن المفاجأة الأكبر كانت في امتداد المشهد وعلى طريقة (مابعنا بالكوم إلا اليوم) والكتب مابين رصيف وكراتين مفترشة الأرض، منها ما هو للحراج ومنها ما هو للبيع بالقطعة! في مشهد درامي تراجيدي ... حاولت أن أخدع نفسي بأن هذا الوضع الطبيعي، وأزرع في داخلي وهماً بأن هذه حقيقة مُسلم بها في ظل وجود الإنترنت وتعدد منصات التواصل الاجتماعي التي جعلت من القارئ يتصفح الكتب، و-بضغطة زر- يحمل الكتاب الذي يريد ويحفظه وبالمجان. فعلى الرغم ما للقراءة من ضرورة من حيث اكتساب الفكر والمعرفة وتأثيرها الإيجابي لكونها أهم وسيلة اتصال لعقل الإنسان، إلا أن الكتاب وملامسة غلافه والتنزه مابين صفحاته تجد عزوفا تاما من قارئ اليوم، وهذا أكده لي أحد رجالات دور النشر الذي قابلته صدفة في السوق قائلاً: إنه لم يعد هناك حركة شرائية في غالبية المكتبات من قبل روادها وزبائنها (مسترسلاً) في حديثه: أنه وبدراسات وأبحاث أكدت أن معدل قراءة الشعب العربي للكتاب لا تتجاوز نصف صفحة في اليوم، بينما في الدول الغربية يقرأ الإنسان ما يقارب 10 كتب في الشهر، مختتماً حديثه بأنه وصل الحال إلى أن مواقع وحسابات في (تويتر) ومدونة بمسمى بيع كتاب تنشر بين فترة وأخرى إعلاناً عن وجود كتب للبيع وبالمزاد العلني فهناك 3 ملايين كتاب بسعر الجملة بقيمة مليون ريال، وعليك أن تنظر لها بعملية حسابية سيكون الكتاب الواحد بقيمة (حلاوة بقر)! مودعاً للمكان بتمتمة: إذا استمر والوضع على هذا الحال، فإن الحراك سيكون تجاه مصنع تدوير الورق، بكل تعازينا الحارة لك أيها الكتاب ممزوجة بالأسف الشديد على وضعك الراهن، والعزاء موصول لمحبيك وأصحابك في كل مكان. محمد العبدالوهاب