خللٌ ما أصاب تطبيق سناب شات بهاتفي، لم أكن لأنتبه إلى الخلل لولا أني هممتُ بالبحث عن صورٍ ليوم معين، أكتب في خانة البحث May 2020 ولا تظهر لي أي نتائج، أفزع للحظات هل فقدتُ جميع "ذكرياتي" منذ 2018 حين تنبهت إلى أن أسمح لسناب شات بالاحتفاظ بها وتذكيري بها يومياً، يتبدد فزعي حيث أغلق التطبيق تماماً وأعيد تشغيله، فتُحل المشكلة، تأملتُ الفزع الذي أصابني خشية فقدان الصور الدالة على الماضي السعيد غالباً، فمن ذا يوثق مصائبه عبر سناب شات. تقول إيمان مرسال في نص لها حول (ألبوم العائلة): "ما أذكره غائب عن الصورة فلماذا أجتهد هكذا لأحافظ عليها من الضياع؟". نعم، فجميع ما نعرفه عن حيثيات التقاطها، والأحاديث التي سبقت الالتقاطة وتلتها، غائب عن الصورة، وحتى ما نعرفه عن التبدلات التي حصلت للأشخاص المبتسمين في الصورة أو الصاخبين، لا تتضمنها الصورة. قد تجمد الصورة اللحظة، قد تعيد إلينا ومضات منها، لكنها أبداً لن تكون بمثابة ذاكرة كاملة بديلة لنا، خاصة ذكريات سناب شات، حين بتنا نعتمد على ذاكرة سناب شات، أصبحت ذكرياتنا أقل بريقاً، وعبقاً، وأصبحنا نمر عليها مرور الكرام، كل يوم ذكرى جديدة ليومٍ قديم، مجموعة من الصور تمر سريعاً أمام ناظرنا، حتى تنتهي وننتقل إلى قصة جديدة لأحدهم، أو نُغلق التطبيق وننقل اهتمامنا إلى آخر. لا يثير فينا سناب شات بذكرياته السريعة حنيناً عميقاً كما تفعل ذاكرتنا أحياناً مع رائحة عطر مثلاً فتعيدنا فوراً لمقاعد الدراسة حيث كان عطرنا أيامها، أو حين نقضم حلوى من طفولتنا فتعيد إلينا شعور زيارة البقالات وريال العصرية، ورغم أنه لم تجمعني أي صورة مع صديقات الدراسة، إلا أن خط إحداهن في دفتري يعيدني فوراً للحظة كتابتها وآلاف الذكريات المشتركة بيننا. أما من كان محظوظاً ليمتلك صورة أو صورتين فوتوغرافية مطبوعة من ماضيه ملتقطة غالباً في أيام عزيزة فعلاً وكبيرة كنجاح أو زواج، فإنه يعرف أن هناك فرقاً شاسعاً بين صورة مطبوعة ولحظة يستعيدها السناب. نعم، قد تكون اللحظة في سناب شات مشتركة بين اثنين، وقد نتبادلها ونتحدث عنها قليلاً لكن شعورها سطحي، ومعرفتنا أن السناب سيصنع منها ذكرى أخرى في العام القادم ويضيف رقماً أعلى الشاشة لتزايد السنوات منذ التقاطها، يجعلنا لا نقدرها حق التقدير. بكل حال سناب شات لم يُصنع أساساً ليحتفظ بالذكريات، الذكريات هي ميزة مضافة للتطبيق لا أكثر، تم ابتكار التطبيق ليمجد اللحظة ويسمح لنا بتشاركها، بل هدفه الأساسي أن تختفي اللحظة فور مشاركتها، حتى لا نعلق بالماضي، ونجتره كله مع كل لقطة تمر بنا، كما قد نفعل مع ألبوم مطبوع يحوي صور العائلة، تقول كلير ماران: "يتعين علينا أن نضع حدوداً لهيمنة الماضي على الحاضر، ومنعه من عرقلة اللحظة المعاشة كي لا نسجن أنفسنا في التكرار العبثي، والاجترار". ما أعرفه أنا على وجه اليقين أن الكثير مما يذكرني به السناب لا يشكل لي أهمية حقيقية إلا فيما ندر، فأنا -وأعرف أن الغالبية العظمى مثلي- نلتقط اللحظات لنُشاركها يومياً، واليومي المتكرر هو ما يجب أن ننساه لا أن نخلده. ذكرياتنا في سناب شات ستموت وتنتهي بموتنا، فمن سيرث هاتفنا بعدنا، عليه أن يحذف الحساب، -وهذا من إكرام ميت هذا العصر، أن تحذف حساباته بالكامل-، وإن أراد تذكرنا فليلجأ إلى ذاكرة سنابه، أو عقله أيهما شاء، ففي النهاية قد يكون الموت كما تقول إيمان مرسال: "هو عدم القدرة على تبادل ذكرى مشتركة بين اثنين".