تراجعت قيمة أصول الصناديق الاستثمارية بنهاية عام 2023 بنسبة 46 % مقارنة مع أعلى قيمة تحققت في عام 2022 وهذا التراجع الحاد لاشك أنه مفاجئ في ظل توجه لمأسسة الاستثمارات وحماية رؤوس الأموال من مخاطر وتقلبات الأسواق، لأن الاستثمار في الصناديق يعطي المستثمر ميزة أساسية وهي الاستفادة من خبرات ومعارف مديري الصناديق في اتخاذ أفضل القرارات الاستثمارية، وفقا للدراسات المالية والتحليلات القائمة على أفضل المعايير العالمية وتجنب المخاطر السوقية، ولا تتوافر هذه المهارات إلا لدى شريحة محدودة من المستثمرين، لذلك تعتبر الصناديق الاستثمارية أداة جيدة للاستثمار وتمنح المستثمرين غير الملمين بمهارات التحليل المالي فرصة الاستفادة من معرفة ومهنية المختصين بالاستثمار، وتتيح صناديق الاستثمار إمكانية تنويع الاستثمارات بطريقة منهجية عبر نطاق أوسع من الأصول والتوزيع الجغرافي للتقليل من مخاطر تركز الأصول والاستفادة من تباين عوائدها، هيئة السوق المالية السعودية خلال السنوات الماضية وتحديدا منذ إطلاق رؤية 2030 عملت ضمن برنامج تطوير القطاع المالي في تهيئة البيئة الاستثمارية الجيدة للصناديق الاستثمارية والعمل على توعية المستثمرين للتحول الى الاستثمار في الصناديق، كما أن الاستراتيجية الوطنية للادخار والتثقيف المالي تهدف الى توفير منتجات آمنة وذات معايير عالية وتوفير مختلف الأدوات والقنوات الادخارية المتنوعة أمام الأفراد، وتسهيل وصولهم الى المنتجات الاستثمارية وتوفير أطر تنظيمية وتشريعية داعمة لها، وكان لهذه الاستراتيجية الفضل في رفع أعداد المستثمرين في الصناديق من 224 ألف مستثمر في نهاية عام 2016 إلى أكثر من مليون مستثمر في نهاية العام 2023، على الرغم من تراجع قيمة أصول الصناديق وهذا له تفسيرات عديدة، منها أن بعض المستثمرين خفضوا قيمة استثماراتهم في الصناديق الاستثمارية وتحولوا الى الودائع الزمنية والادخارية في البنوك السعودية والتي تعطي عوائد مقاربة لمتوسط عوائد الصناديق الاستثمارية والمخاطر قد تكون شبه معدومة، كذلك من العوامل التي نعتقد أنها أثرت على تراجع أصول الصناديق يعود الى أن السنوات التي تأثرت بجائحة كورونا تسببت في ضعف الأنشطة التجارية ولذلك لجأت بعض المؤسسات والشركات إلى استثمار فوائضها المالية من أجل تحقيق عوائد جيدة تساعدها في التقليل من أثر ضعف النشاط الأساسي للمؤسسة وبالتالي عندما عادت الأمور إلى طبيعتها تمت إعادة الأموال إلى وضعها السابق لتمويل الأنشطة التجارية والتوسعات المستقبلية، التراجع الحاد في أصول الصناديق ربما يحتاج إلى دراسة معمقة من قبل هيئة السوق المالية من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية لتراجع قيمة الأصول ومعرفة المعوقات، وهنا نشير إلى بعضا منها والتي قد تحد من الاستثمار في الصناديق من ذلك، الرسوم الإدارية المفروضة على المعاملات المالية بمختلف أنواعها وأشكالها على قيمة صافي الربح المحقق، أو حتى الرسوم التي تفرض على المشترك في بداية اشتراكه وربما تصل قيمة النفقات والرسوم لنسب مرتفعة تتجاوز 1.5 % مما ينعكس سلبا على جدوى الاستثمار، بعض الصناديق الاستثمارية تتقاضى مبالغ مالية نظير الخروج من الصناديق المشتركة، أو تأجيل استرداد الاستثمارات لبعض الوقت، أيضا هنالك شكاوى تتكرر من المستثمرين حول المخاطر التي تتعرض لها استثماراتهم بسبب مدراء الصناديق وذلك عند قيام مدير الصندوق بتداولات غير ضرورية وغير مدروسة وتركيز مفرط على أوراق مالية عالية المخاطر وغير ذلك من العوامل المؤثرة سلبا على حجم وقيمة العوائد المستهدفة، الشفافية قد تغيب عن بعض الصناديق الاستثمارية والتقارير التي يتم إرسالها للمستثمرين تكاد تكون خالية من أي معلومات استرشادية ومقارنات صحيحة يبني عليها المستثمر قراراته المستقبلية. الصناديق العقارية المتداولة "ريت" تعتبر من أهم الصناديق الاستثمارية عالميا لمن يريد الدخول في الاستثمار العقاري بأي مبلغ والتخارج منها وقت ما شاء ذلك وكان دخلوها للسوق المالية السعودية فرصة للمستثمرين الذين يرغبون في استثمارات متوسطة المخاطر وجيدة العوائد ولكن للأسف لم يكن أداء هذه الصناديق جيدا لعدة أسباب منها أن مديري الصناديق لم تكن لديهم الخبرة الكافية في السوق العقارية ولذلك تم الاستحواذ على أصول عقارية مدرة للدخل وتم تقييمها بناء على الدخل السابق ولم تكن هنالك دراسة للسوق العقارية من متخصص في العقار يفهم اتجاهات السوق والطلب المستقبلي على الوحدات العقارية وربما دخلت أصول على هذه الصناديق بأعلى من قيمتها السوقية مما تسبب في ضعف العوائد على وحدات الصناديق العقارية، ولا أعلم لماذا لا تستثمر الصناديق العقارية المتداولة جزء من محفظتها في التطوير العقاري وتحقيق عوائد أفضل من الاستثمار في أصول عقارية قائمة وهذا مطبق في كثير من الأسواق العالمية.