لا شك أن المكان بناسه، وكما يرد في مثلنا الشعبي «جنة من دون ناس ما تنداس» فلا تعمر أي بقعة على وجه البسيطة أو تخلد في التاريخ إلا بساكنيها، ولا يكتب لها الديمومة والتقدم الحضاري إلا بجهد ناسها، ففيها ينبثق فكرهم وإبداعاتهم وأحاسيسهم وقصصهم وشعرهم، وكل ما يؤكد إنسانيتهم من أفراح وأتراح وعادات وأزياء وحارات وأسواق ومهن. والمدينة هي الإطار السكاني الذي يجسد ثقافة الأمم وشعوبها، وفي نفس الوقت تعتمد المدن في بناء منظومتها على الثقافة فهي شريك استراتيجي تنموي قادر على دعم الأهداف التنموية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وحين أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء مشروع نيوم عام 2017 م الذي يحول الصحراء إلى مدينة مستقبلية مبتكرة في شمال غرب المملكة، في منطقة ضاربة في التاريخ، لتكون نموذجًا جديدًا للحياة المستدامة والعمل والازدهار، ويهدف بالدرجة الأولى الى تنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية. أصبح لزاماً علينا أن نجمع كل طاقتنا و قدراتنا الابداعية في سبيل تحقيق ما يسعى إليه المشروع من أهداف استراتيجية، حيث تعتبر الثقافة عنصراً حيوياً ومنتجا اقتصاديا منافسا، وهو ما أقرت به اليونسكو في اتفاقيتها عام 2005 بشأن «حماية وتعزيز أشكال التعبير الثقافي» اذ أكدت على (أنه لا يمكن اعتبار الثقافة مجرد سلعة تُباع وتشترى، بل هي تساعد على التنمية والابتكار) وبالتالي تعد الثقافة عامل من عوامل تطوير وازدهار أي مدينة، بما في ذلك مشروع مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية. ويمكن للثقافة أن تساهم في ازدهار نيوم بعدة طرق منها جذب المواهب؛ فالبيئة الثقافية الغنية تجذب الفنانين والمبدعين والمثقفين، مما يساهم في خلق مجتمع حيوي وديناميكي. هذا يمكن أن يعزز الابتكار والإبداع في مختلف المجالات. أما السياحة الثقافية فمن من خلال تقديم مجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية والفنية، نيوم هي وجهة سياحية جذابة للزوار من مختلف أنحاء العالم، وستساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة بالإضافة إلى تحفيز الاستثمار فوجود بيئة ثقافية مزدهرة سيجعل نيوم وجهة مرغوبة للمستثمرين، خاصة في قطاعات مثل الفنون والإعلام والترفيه. والاستثمارات في هذه القطاعات يمكن أن تؤدي إلى تنمية اقتصادية مستدامة. أيضاً فيما يخص تعزيز الهوية المحلية سيكون التركيز على الثقافة مساعداً على الحفاظ على التراث المحلي وتعزيز الهوية الوطنية، مما يزيد من شعور الانتماء والفخر بين السكان. وكذلك التعليم والثقافة ولا شك بأنه يمكن لبرامج التعليم والثقافة أن تسهم في رفع مستوى الوعي والمعرفة بين سكان نيوم، مما يعزز من تطورهم الشخصي والمهني ويؤدي إلى مجتمع أكثر تعليماً وتطوراً. وكذلك ما يخص التنمية الاجتماعية؛ فالفعاليات الثقافية توفر فرصاً للتفاعل الاجتماعي وبناء العلاقات بين السكان، مما يساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتقوية المجتمع المحلي. بتكامل هذه الجوانب، يمكن للثقافة أن تلعب دوراً محورياً في تحقيق رؤية نيوم كمدينة مستقبلية مستدامة ومزدهرة. * أستاذ التاريخ القديم، جامعة الملك سعود