من ارتحل في بقاع شتى من العالم، شرقيه وغربيه، ازداد يقينا بأن الإسلام يدفع أتباعه للعمل أكثر كلما طوقتهم العراقيل، وضاقت بهم السبل! فبعض البلاد المسلمة يعيش في فترة عصيبة نتيجة أحداث شتى، أثرت على أمنها واستقرارها واقتصادها، لكن يلفت الانتباه الجهد المبذول للعمل الخيري والدعوي، وحلق القرآن، ودور تعليم الكتاب والسنة واللغة العربية، رغم كل الظروف التي يعيق العاجزين بعضُها. وهذا ما يدعو للنظر من زاوية هذا الدين العظيم، الذي يدفع أتباعه للعمل في ظل الظروف الصعبة أكثر مما يفعل في ظل الترف والنعمة. يستطيع كل منا أن يجيل فكره هنا وهناك ليرى كيف يبقى الإسلام عالي الراية رغم كل الظروف، والتاريخ والواقع يشهدان. وإني رأيت ذلك في كثير من البلاد التي زرتها، أو حدثت عنها، حيث يكون الإسلام مستضعفا، أو قليل أتباعه، فإن العمل الخيري والدعوي فيها يكون أكثر دقة وأقوى عزيمة من غيرها. فالإسلام يتحدى الواقع؛ لأنه هو الذي يصنع الواقع، وعنده القدرة على تغيير الواقع والتكيف معه بما يوافق تعاليمه ومنهجه، لكنه يحتاج إلى قوم يؤمنون به، يصدقونه، ويصدقون في اتباعهم لتعاليمه، وحرصهم على نشره وتعليمه، ومن ثَم يبذلون ما يستطيعون من قوة للحفاظ على قيَمِه، والدعوة إلى منهجه، والثبات على مبادئه، وسرعان ما يرون الثمرة قد حان قطافها، وهي أحلى ما تكون مظهرا ومخبرا. قلة الموارد، وكثرة العوائق لم تكن مانعة أتباع هذا الدين في كل بلاد العالم الغني والفقير، من البذل والعطاء، والتكاتف والتعاون والسعي على الأرملة والمسكين، وبذل المال لردّ الناس إلى دينهم، وتعليمهم قيمه وأخلاقه. ولقد عانى أناس قبلنا ومن حولنا ما يشيب له الوليد «فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا ، والله يحب الصابرين». وبقيت معاناتهم زادا لمن بعدهم، وشعلة أوقد منها سراج الإيمان واليقين من بعد، «والله متم نوره»، وناصر دينه، «والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون». من رحم المعاناة ولدت أفكار، وطبقت مفاهيم أنتجت ما لم يتوقعه حتى المتفائلون الذين رسموا خطة العمل، وكان لهم شرف البدء به؛ لأنهم كانوا يعملون لله، ولا ينتظرون العطاء من غيره، ولا يعيقهم واقع مرير، ولا تخاذل مثير، ولا فقدهم للفتيل والقطمير. فالإسلام بخير، وسيبقى بخير، قد يبتلى أتباعه، وتتغير أوضاعه، لكنه باق ومنتصر حتى يأتي الله بأمره، فلا نخشى عليه، بل ما نخشاه أن ننكص نحن على أعقابنا، أو أن تزل بنا القدم، بعد ثبوتها، أو أن نرتد فننقلب خاسرين، لهذا كان من دعاء الراسخين في العلم «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا». وكان حبيبنا صلى الله عليه وآله يكثر أن يدعو في سجوده (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). فالثبات على الدين هو المحك في كل فتنة، وفي كل محنة، واليقين بوعد الله وأنه سبحانه لا يخلف الميعاد، هو المعين على التمسك بالسنة، والعض عليها بالنواجذ مهما رأى المرء من اختلاف، وأتباع الإسلام اليوم مئات الملايين، وكم يفرح القلب المؤمن حين يرى المسلمين في أصقاع المعمورة يبذلون قصارى جهدهم لنشر الخير والترغيب فيه، وهداية الناس إلى دار السلام، وتعريفهم بذي الجلال والإكرام، وسنة حبيبه عليه الصلاة والسلام! ومهما حاول أناس بتكوينهم أو تحريفهم أو مركزهم هدم صرحه فإنهم كما قال الأول: كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنها فلم يَضِرها وأوهى قرنَه الوعِل الإسلام باق، بكل قيمه ومنهاجه، وهو دين منصور، سخر الله للعمل له أناسا لا يعلمهم في كثير من الأحيان إلا هو، فلا تظنن أخي الكريم أنك إن لم تقم بالعمل للدين أن الدين سيفقدك، بل أنت من خسر أجر العمل له ولذته. هذا، والله من وراء القصد.