في تجربة أدبية بسيناريو فني رشيق عجزت عن تجسيده السينما والمسلسلات الكوميدية المصرية، نجحت الكاتبة فرح حلابة من خلال «انثروبولوجي» بالعربي «خرج والمفروض يعد» بتناول تجربة الغربة المصرية التي كانت قائمة على البحث عن تحسين الأوضاع المالية بدول الخليج العربي، التي وحسب المؤلفة لا يخلو أي بيت مصري من هجرة أو غربة أحد أبنائه للعمل بهذه الدول والتي شهدت طفرة تنموية كبيرة خصوصا فترة السبعينيات والثمانينيات الميلادية. تجارب فقيرة تناولت الهجرة في أدبياتها الفنية بمرتكزات محدودة وهامشية أحيانا وفيها كمية من السلبية المباشرة، الخيانة وضياع الحقوق وسرقة الجهود والأموال ما بين المصريين أنفسهم، والكثير من المشاكل التي بالإمكان أن تحدث وتكون معرفتها منتشرة، لكن في «خرج ولم يعد» الأمر في التناول مختلف بصورة كبيرة، الجانب الحسي والنفسي هو البطل بهذه الدراسة الأدبية المشوقة. مقولة رائعة تجسدها فكرة الرواية عن صعوبة وإحساس الغربة والبعد المكاني والزماني عن الوطن، من أجل تأمين المستقبل كما يطلق عليها كشعار للمغتربين، المقولة التي أعتبرها المظلة الرئيسة لهذه الرحلة «المعيشة من أجل المستقبل تعطّل الحاضر»، بمعنى أنها من خلال تجربتها وعائلتها بالغربة، وجدت أن حياتهم شبه تعطلت بانتظار المستقبل المجهول..!!! في الأدبيات الروائية والقصص التي تناولت موضوع الهجرة والغربة على المستوى العربي فقيرة جداً، لا نجد تكامل ما بين تجسيد الواقع الحقيقي وبين الألم والوجد النفسي، لتكون الغربة بمعناها الحقيقي، العيش من أجل الاستمتاع بالعيش والذي قد «لا يأتي»! تعيش بالغربة تؤثث المنزل الذي لا تعيش فيه وقد لا تسكنه، وتعيش من أجل ذلك حياة صعبة واقتصادية وقد تكون المعيشة بالحرمان من كل الملذات، الأمر ليس نهاية علاقة طبيعية بين أب مغترب وأسرة تنتظر تحويلاته المالية لتعيش حياة جيدة، هي انفصال بطيء بين إنسان وحياته، بين أبسط الأشياء التي عاش بمتعتها وانحرم منها بإرادته لكي يبحث عن «المستقبل» الذي قد لا يأتي! الأعمال الدرامية العربية التي انحرفت في أدبياتها وابتعدت عن الواقع وتجاوزت الخطوط الحمراء أحياناً، لم تكن هذه الدراما في الكثير من الأحيان قريبة من الإنسان العربي، لأنها لا تمثل واقعة وإنما تتناول قصصا وحالات خاصة، تحاول أن تعممها على الجميع من أجل الإثارة والتشويق، فكانت أكثر هذه الأعمال مشوهة بالفعل.