يحيي حلف شمال الأطلسي ذكرى مرور 75 عاما على تأسيسه اليوم الخميس في وقت أعاد الهجوم الروسي لأوكرانيا إنعاشه رغم أنه يواجه تهديدا متزايدا من موسكو واحتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. عام 2019، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة والذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الاتحاد السوفياتي على اعتبار أنه يعاني من «الموت الدماغي». والآن بعد أربع سنوات ونصف، توسّع الحلف ليضم 32 بلدا مع انضمام السويد وفنلندا إليه بعد ما وصفها ماكرون ب»الصدمة» التي أحدثها الهجوم الروسي عام 2022. وردّا على ذلك، رفع الناتو عديد جنوده في خاصرته الشرقية ووضع خططا جديدة للتعامل مع أي هجوم روسي. وأفاد مساعد مدير الدفاع والأمن لدى مركز أبحاث «راند كوربوريشن» RAND Corporation الأميركي جيمس بلاك أن «الناتو تنشّط بعد غزو أوكرانيا». وأضاف «في غضون عامين، توسّع الناتو وبات أكثر طموحا في ما يتعلّق بنطاق أنشطته، (عبر نشر) المزيد من القوات في أوروبا الشرقية». وأعطى إعادة تركيزه على عدوّته التاريخية موسكو الحلف إحساسا واضحا بالهدف بعدما شكك البعض في مسألة إن كان ما زال يلزم بعد انتهاء الحرب الباردة. بدأت هذه العملية منذ العام 2014 عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، لكنها تعززت بشكل كبير بعد غزو العام 2022 الشامل. وقبل ستة أشهر فقط من إرسال روسيا قواتها إلى أوكرانيا، كان الناتو ما زال يحاول التعامل مع الانسحاب الكارثي بقيادة الولاياتالمتحدة من أفغانستان الذي سمح لطالبان بالوصول إلى السلطة. منذ بدء حرب أوكرانيا التي كانت تسعى للانضمام إلى الناتو يوما ما، أرسل أعضاء الحلف أسلحة بقيمة عشرات مليارات الدولارات إلى كييف. لكنه تجنّب الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا تحمل خطر التحوّل إلى حرب نووية. ومع تقدّم قوات موسكو ميدانيا في الوقت الحالي وتراجع الأسلحة التي يتم إيصالها إلى كييف، تسري مخاوف من أن دول الناتو يمكن أن تكون التالية في مرمى روسيا في حال تمكّن الكرملين من تحقيق انتصار في أوكرانيا. وقال بلاك إنه «إذا تراجع الدعم وباتت أوكرانيا تحت الضغط للتفاوض والقبول بسلام سيء، يمكن أن يفاقم ذلك خطر روسيا عدائية». وأضاف «لذلك من الضروري بأن يتم دعم أوكرانيا الآن. إنه استثمار للناتو من أجل الغد». لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس مصدر التهديد الوحيد الذي يواجهه الناتو. أحدث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الشهر الماضي هزّة في أوساط حلفائه عبر القول إنه سيشجّع روسيا على «القيام بأي أمر ترغب فيه» لأي دولة في الناتو لا تفي بالتزاماتها المالية. أشعلت تصريحات المرشح الجمهوري لانتخابات هذا العام الرئاسية عاصفة سياسية وأثارت الشكوك حيال التزام واشنطن تجاه حلفائها في حال هزم ترامب الرئيس الحالي جو بايدن في نوفمبر. وقال المسؤول الرفيع السابق في الناتو والباحث حاليا لدى «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» كميل غراند إن «المشكلة الحقيقة في ترمب تكمن بصعوبة التوقع به». وأضاف أن «انسحاب الولاياتالمتحدة من الناتو ليس ضروريا حتى. كل ما يحتاجه الأمر هو تغريدة أو تصريح من قبيل: لن يموت أي جندي أميركي من أجل حليف مثل ليتوانيا». وفي خطوة استباقية، استعرض الناتو الزيادة الكبيرة في عدد الدول التي تقترب من الإيفاء بالتزاماتها في الوصول إلى هدف بلوغ الإنفاق الدفاعي 2% من إجمالي الناتج الداخلي. يتوقع الآن بأن تحقق 20 دولة الهدف هذا العام مقارنة مع ثلاث فقط في 2014. وما زال دبلوماسيون في مقر الحلف في بروكسل متفائلين حيال عودة ترمب المحتملة إذ أن الناتو كان في حال أفضل عند انتهاء ولايته الأولى. ويقولون إن إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها إقناع الولاياتالمتحدة بأهمية الناتو تتمثّل بزيادة الاهتمام الذي توليه إلى الصين التي تمثّل مصدر قلق رئيس بالنسبة لواشنطن. لكن رغم زيادة الإنفاق الأوروبي على الدفاع، يعتقد كثيرون بأن الناتو لن ينجح من دون قوة الولاياتالمتحدة. وأفاد دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته «إذا انسحبت الولاياتالمتحدة من ذلك، فلن يكون بإمكاننا التعامل مع الأمر.. أوروبا تكثّف الوتيرة، لكن حتى اقترابنا (من تحقيق الهدف) سيستغرق بعض الوقت». وفي ما يلي بعض الحقائق والأرقام عن المنظمة التي أُنشئت خلال الحرب الباردة وأعيد إنعاشها بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا. وقّعت 12 دولة مؤسسة على معاهدة حلف شمال الأطلسي عام 1949 مع وقوف الولاياتالمتحدة وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية صفا واحدا لمواجهة تهديد الاتحاد السوفياتي الذي كان حليفها سابقا خلال الحرب العالمية الثانية. وكما قال أول أمين عام للحلف لورد إسماي فإن هدف الناتو كان «إبقاء الاتحاد السوفياتي في الخارج والأميركيين في الداخل والألمان مهزومين». وعام 1952، انضمت تركيا واليونان إلى الحلف قبل أن تصبح ألمانيا الغربية عضوا بعد ثلاث سنوات. وبعد انتهاء الحرب الباردة، توسّع الناتو مرّات عدة نحو الشرق ليزداد طول حدوده مع روسيا عبر انضمام بولندا ودول البلطيق السوفياتية السابقة. وبعدما غزت موسكوأوكرانيا عام 2022، تراجعت جارتا روسيا الشماليتان عن سياساتهما التاريخية القائمة على عدم الانحياز، ليصل عدد أعضاء الحلف إلى 32 بلدا. في المجموع، تمثّل بلدان الناتو نحو مليون نسمة وحوالى 50 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي. وتضم بلدان الحلف مجموعة 3,2 ملايين رجل وامرأة يخدمون في جيوشها. وتعد إيسلندا الدولة الوحيدة المنضوية في الحلف التي لا تحظى بجيش خاص بها. ولم يفعّل الناتو غير مرّة واحد المادة الخامسة المرتبطة بالدفاع الجماعي التي تفيد بأن الهجوم على أي من أعضائه يعد هجوما على الجميع، وذلك بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة. اعتُبر هذا القرار تعبيرا عن الدعم للقوة العسكرية التي تقود الحلف ومختلفا إلى حد كبير عن التهديد في أوروبا الذي توقعه مؤسسوه في الأساس. وأدت تداعيات هجمات 11 سبتمبر إلى تدخل الناتو في أفغانستان حيث بقي حتى العام 2021 عندما سمح انسحاب كارثي بقادة الولاياتالمتحدة لطالبان باستعادة السلطة. ردّا على انتزاع روسيا القرم من أوكرانيا عام 2014، اتفق حلفاء الناتو على أنهم سيهدفون لإنفاق 2% من إجمالي ناتجهم الداخلي على الدفاع. وتمّت زيادة هذا الهدف بعدما شنّت موسكو غزوها الشامل على جارتها في 2022 لتصبح نسبة 2% هي الحد الأدنى. وندد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بدول الناتو معتبرا أنها لا تنفق ما يكفي محذرا من أنه سيشجّع روسيا على «القيام بما ترغب به» للدول التي لا تفي بالتزاماتها. وعام 2024، يتوقع أن تصل 20 دولة عضو في الناتو إلى هدف 2%، مقارنة مع ثلاث فقط عام 2014. سيمثّل يونيو 2024 مرور 25 عاما على نشر الناتو قوات في كوسوفو عام 1999، ليُستكمل انسحاب القوات الصربية بعد حملة قصف جوي تواصلت على مدى 77 يوما. ولم يكن هذا التدخل العسكري غير الثاني في تاريخ الناتو، بعد تدخله في البوسنة في منتصف تسعينات القرن الماضي. وبعد ربع قرن، ما زالت قوة كوسوفو التابعة للناتو على الأرض في البلقان، لتصبح المهمة الأطول للحلف في تاريخه. وبعدما أدى ارتفاع منسوب التوتر العام الماضي إلى أعمال شغب أسفرت عن إصابة 93 عنصرا من الناتو بجروح، اتفق الحلفاء على إرسال ألف جندي إضافي للانضمام إلى قوة كوسوفو، ليصبح مجموع الجنود حوالى 4500. وفضلا عن البلقان، شملت مهمات الناتو الرئيسية الأخرى في الخارج عقدين تقريبا في أفغانستان وقصف العام 2011 على ليبيا. لم تنسحب أي دولة على مر التاريخ من الناتو، لكن فرنسا أمضت حوالى 43 عاما خارج هيكل القيادة العسكرية للحلف بعدما انسحب الرئيس شارل ديغول عام 1966 احتجاجا على هيمنة الولاياتالمتحدة. ولم يتم التراجع عن هذا القرار الذي تم بموجبه نقل مقر الناتو من باريس إلى بروكسل إلا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2009. مع ذلك، ما زال التوتر يهيمن أحيانا على العلاقة مع الناتو وفي 2019 قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن الحلف يعاني من «الموت الدماغي».