تختلف أساليب القيادة من دولة إلى أخرى في ضوء السمات التي يتمتّع بها القائد، وكثيرًا ما ظهرت شخصيّات تاريخيّة لها أساليب مميَّزة في إدارة الدولة وقيادتها بطريقة أسهمت في إعادة بنائها وفق رؤى واضحة ومحدّدة. ويمثل سيّدي صاحب السموّ الملكيِّ الأمير محمّد بن سلمان، وليّ العهد، أنموذجًا متفرّدًا للقيادة التقدّميّة العبقريّة الديناميكيّة الاستراتيجيّة؛ يمكّنه من ذلك نهجه القياديّ وحضوره المؤثّر على المستوى المحلّيّ، وحراكه التنمويّ ونشاطه الفاعل على المستويين العربيّ والدوليِّ، إذ تمثّل رؤيته في الإصلاح ورغبته في التنمية نقطة تحوّل مهمّة في تشكيل مستقبل المملكة. وليس التقدّم جوهرًا ثابتًا وقيمة مطلقة تخصّ شعبًا دون شعب على مدى التاريخ؛ بل هو سمة تتحقّق لشعب وحضارة في لحظة تاريخيّة معيّنة. ولقد كانت الحضارة الإسلاميّة في عصرها الذهبيِّ تقوم على ثقافة العقل والعِلم، وتهدف إلى الرقيّ والتحضّر وتأسيس العمران، فأغنت الحضارات البشريّة بمفاهيم التقدّم والتاريخ والأمل في المستقبل، وصاغت لذلك "فلسفة التاريخ". ثمّ تغيّرت الظروف وتبدّلت الأحوال، فأصبحت أوروبّا في عصورها الحديثة تمثّل أنموذجًا للحضارة المتقدّمة. ليس التقدّم، إذًا، غريبًا على الحضارة العربيّة والإسلاميّة، فهذه البلاد المباركة لم تكن طارئة على التاريخ الحديث، فالحضارة موروث ينتقل من أمّة إلى أمّة أخرى؛ لتحقّق مفهوم الاستخلاف في الأرض. وإنّ حضارة مملكتنا حضارة مرنة قابلة للتجديد والتطوير دون المساس بأسس العقيدة والدين، وما "رؤية 2030" إلّا مثال متميّز، وأنموذج من نماذج التطوّر العالميِّ الذي يتوافق مع الزمان وجاهزيّة المكان؛ بمرتكزات دينيّة راسخة وثوابت عربيّة أصيلة. وهذه الرؤية بنيت على أسس؛ نادى بها الملك المؤسّس بتعبير صريح في قوله: "إنّ من يعتقد أنّ الكتاب والسنّة عائق للتطوّر أو التقدّم فهو لم يقرأ القرآن أو لم يفهم القرآن"، فجاءت الرؤية لتبدأ من حيث انتهى العالم، يصوغها فكر سيّدي سموّ وليِّ العهد عهدًا جديدًا لبلاده التي أراد لها أن تكون حيث يليق بها من مدارج العُلا ومراتب التقدّم، منطلقةً من تاريخها العريق ومسيرتها التنمويّة المتواصلة، لتغدوَ أنموذجًا رياديًّا وقياديًّا في كلّ شيء، وتسطّر إرثها وأثرها في تاريخ الحضارة العالميّة، في بلد متنوِّع كالمملكة العربيّة السعوديّة، يتكامل فيها البعد الحضاريّ العريق بالأمل المستقبليّ الواعد. والواقع أنّ سيّدي سموّ الأمير محمّد بن سلمان أنموذجٌ فريدٌ للقيادة الشابّة الملهمة؛ التي تواكب المستجَدّات العالميّة، وتتفهّم تطلّعات الشباب السعوديّ الواعد، وتسعى إلى تحقيق إصلاحات تنمويّة داخل المملكة على أسس تقدّميّة، وتدرك الحاجة إلى الابتعاد عن الأعراف التقليديّة، وإدخال ممارسات حديثة؛ لتعزيز التنويع الاقتصاديّ، والتمكين الاجتماعيّ، والانفتاح الثقافيّ. ونرى سموّ الأمير محمّد بن سلمان، برؤيته للمملكة الحديثة، قد منح الأمل للشباب السعوديّ الذي يتوق إلى التّغيير. ووصلت جهوده في تعزيز تمكين المرأة في مختلف مناحي الحياة أعلى مستوياتها على الإطلاق، وحظيت باهتمام محلّيّ وعالميّ كبير، فأصبحت المرأة السعوديّة اليوم صانعة فرص، وصاحبة أدوار قياديّة فاعلة في عدّة مجالات، لقد كسرت هذه الخطوات التقدّميّة بمهارة قالب القيادة التقليديّة، وأعادت تشكيل النظرة الصائبة إلى الأمّة جمعاء. يمثّل أسلوب القيادة المبدعة لسموّه، على النقيض من الأساليب الغريبة التي شهدناها تاريخيًّا، رمزاً للأمل والتجديد، ونبراسًا للإلهام في صناعة المستقبل في المملكة، وإنّ التزامه بالانفتاح والشفافيّة سيشكّل بلا شكّ مستقبل المملكة، ويعزّز مكانتها على المسرح العالميِّ، وكم هو جميل أن نرى المكتسبات التي حقّقها الوطن في عهد سموّه؛ كمشاريع الرؤية، والتحوّل الرقميّ والتكنولوجيِّ، والصناعات العسكريّة، والتحالفات الدوليّة، والثقافة، والترفيه، والعديد من الإنجازات المتواصلة! لا سيّما أنّ سموّه يمتاز بإمكانيّة الوصول المباشر إلى القوّة الاقتصاديّة، والنفوذ الجيوستراتيجيّ، ويملك الشرعيّة الدينيّة، والقدرة على توظيفها لتعزيز مكانة المملكة على المستوى الإقليميِّ والدوليّ. إنّ المحبّة الكبرى التي يحظى بها سموّ وليّ العهد بين الشباب هي شهادة على قدرته على تلبية تطلّعات الجيل الجديد، ودليل على مساعيه لزيادة مشاركة القوى العاملة للمواطنين، وتقليل الاعتماد على الأيدي الوافدة، وتصميمه على تشكيل دولة متمكّنة ومكتفية ذاتيًّا. وإنّ تركيزه على التعليم لم يؤدِّ إلى نهضة فكريّة فحسب، وإنّما أدّى أيضًا إلى تنشئة جيل من الطلّاب والطالبات الذين يتابعون تعليمهم في الخارج، ليعودوا ويسهموا في خدمة وطنهم، ويواكبوا هذا التحوّل الحضاريّ اللافت. ويرى سموّ وليّ العهد أنّ المجتمع الحيويّ، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، هي مرتكزات المرحلة المقبلة في وطننا، وفي سبيل تحقيق تلك المرتكزات جاءت "رؤية 2030" تؤسّس لبناء اقتصاد مستقلّ يتمتّع بنماء مطّرد، بعيدًا عن سيطرة النفط. واستند سموّه في رؤيته على أنّ الملك عبد العزيز ورجاله قاموا بتأسيس المملكة العربيّة السعوديّة وإدارتها قبل اكتشاف النفط، وأكّد سموّه في "رؤية 2030" أنّ مكانة المملكة لا تقتصر على قوّة الاقتصاد والنفط، وإنّما على مكانتها الدّينيّة والحضاريّة وقيامها على رعاية الأماكن المقدّسة وخدمتها في مكّة والمدينة؛ ما يشكّل صيغة جديدة لدور المملكة العربيّة السعوديّة الإسلاميّ والعالميّ، إذ تشكّل "رؤية 2030" خطوة جذريّة تهدف إلى تغيير اعتماد المملكة على النفط، وتغيير بنية اقتصادها السياسيِّ الأساسيِّ، الذي يشكّل الطّريقة التي تدير بها المملكة عجلة الاقتصاد. ويعتقد سموّه أنْ لا بدّ من إجراء عملية إصلاح اقتصاديّ شامل؛ لبناء مجتمع متقدّم ومستقلّ، يتمتّع بمعدّلات تنمية حقيقيّة، ترتبط بمحاربة الفساد والمحسوبيّة والهدر في المال العامّ، وتتّصل بالحوكمة وإعادة هيكلة الكثير من القطاعات، وتشجيع التنافسيّة القائمة على الكفاءة، والعمل التنمويّ لبناء مؤسّسات الدّولة وتطويرها على أسس مستدامة، وتنويع مصادر الدّخل، والتّركيز على نقاط القوّة. وهذا كلّه يستلزم الانطلاق من الجذور الحضاريّة والثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة لبناء دولة قويّة في داخلها، ومتجانسة مع محيطها، ومؤثّرة في النهوض بمنطقتِها، وتحقيق قفزات نوعيّة ترتقي بحياة المواطن والمقيم، وتتلاءم مع مكانة المملكة بصفتها دولة قياديّة ورائدة في المنطقة. لقد اتّسمت سياسة المملكة في عهد سموّ وليّ العهد الميمون بروحٍ عروبيّةٍ خالصة، كان فيها للعرب مكانة سياسيّة في وجدان سموّه. وإنّ القيم الإنسانيّة التي يتمتّع بها سموّه قد وضعت السعوديّة في مكانة خاصّة على الساحتين العربيّة والدوليّة وفي محافلها المختلفة. ومجمل ذلك غيض من فيض؛ فإنّ عطاءات السعوديّة الإنسانيّة الكبيرة، وأياديها الخيّرة في البناء والتنمية تجاه شعوب العالم، لهي خير دليل على ذلك، إيمانًا منها بميثاق الأمم المتّحدة باعتباره حجر الأساس في مفهوم العمل الجماعيّ في حفظ الأمن والسلم الدوليّين. وفي تقديري، إنّنا أمام فكر يلتصق بالواقع وتعقيداته، وينطلق من مسلّمات الدين الحنيف، وجذور التراث العربيِّ الغنيِّ، وأصولِ التقاليدِ السعوديّةِ العريقةِ، ورحابِ الفكرِ المُعاصِرِ بآفاقِهِ الواسعةِ، وتتجلّى هذه المنطلقات في جميع الخطوات التي أقدم عليها سموّ وليّ العهد، وفي جميع تأمّلاته حول الإنسان السعوديّ، وسبل الارتقاء به في سلّم الحضارة العربيّة والإسلاميّة. د. سعد الشواف