لقد تجاوز الاقتصاد السعودي تعقيدات وتحديات تنويع الاقتصاد في دولة يعتمد اقتصادها على النفط كمحرك أساسي للاقتصاد إلى اقتصاد ما بعد النفط. وشهدت الأنشطة غير النفطية نمواً حقيقياً تراكمياً خلال الاعوام الثلاث الماضية، في ظل سعي حكومتنا الرشيدة إلى تنويع القطاعات الاقتصادية، وبالتحديد تعزيز الأنشطة غير النفطية التي تستهدفها رؤية 2030، حيث تركز برامج الرؤية ومشروعاتها الكبرى على الأنشطة ذات القيمة الاقتصادية المضافة وذات التأثير المباشر وغير المباشر على جميع الأنشطة القائمة وتوليد أنشطة جديدة ذات إنتاجية عالية، نحو معدلات نمو متسارعة وأكثر استقراراً وجاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وهذا يبرز مدى قوة الاقتصاد بجميع قطاعاته المتنوعة نحو النمو والاستدامة، وتمتعه بمرونة عالية في وجه التحديات والصدمات والدورات الاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد بين الفينة والأخرى في ظل تقلبات أسعار النفط. ورغم تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بنسبة 0.8 % في 2023، نتيجة الخفض الطوعي لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميًا وتراجع أسعار النفط الى مستويات أقل بكثير عن مستوياتها في عام 2022 والذي انعكس سلباً على نمو الأنشطة النفطية والحكومية، إلا إن نمو الانشطة غير النفطية ساهم في تقليل هذا الانخفاضات وأثارها السلبية على استقرار الاقتصاد الكلي، كما ان الأنشطة غير النفطية تشتمل على العديد من الخدمات ذات الكثافة العمالية، مما أنعكس إيجاباً على معدل التوظيف وخفض معدلات البطالة الى 8.6 % في الربع الثالث من عام 2023، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء. واليوم نشهد كيف نمت الأنشطة غير النفطية وحققت أعلى مساهمةً لها تاريخياً في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في عام 2023، وبمقارنة مساهمة ونمو إجمالي لناتج المحلي بالأسعار الثابتة للأنشطة غير النفطية والنفطية والحكومية، تتضح لنا مراحل النمو خلال هذه الأعوام 2021، 2022، 2023 على التوالي؛ ، حيث ساهمت الأنشطة غير النفطية بنسبة 48 %،47 %، 50 %، وبمعدل نمو 7.4 %، 5.6 %، 4.4 % الى 1.57، 1.66، 1.73 (تريليون ريال)؛ بينما ساهمت الأنشطة النفطية بنسبة 30 %، 32 %، 30 %، وبمعدل نمو 1.2 %، 15 %، -9 % الى 0.98، 1.13، 1.03 (تريليون ريال)؛ أما الأنشطة الحكومية فساهمت بنسبة 18 %، 17 %، 18 %، وبمعدل نمو 1.1%، 4.6 %، 2.1 % الى 0.57، 0.60، 0.61 (تريليون ريال) على التوالي، حسب تقديرات الهيئة العامة للإحصاء. ومازالت حكومتنا مستمرة في تنويع الاقتصاد وتعظيم الإيرادات غير النفطية من خلال مبادرات رؤية 2030، حيث تستهدف زيادة معدل مساهمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 5.7 % والقطاع الخاص إلى 65 % في إجمالي الناتج المحلي بحلول 2030. فإن استمرار نمو الأنشطة غير النفطية بمعدلات أكبر هو الأهم في الأعوام المقبلة، ومؤشراً على بلوغ الاقتصاد مرحلة من النمو والتوازن والاستقرار في عالمً مملوء بالمخاطر. ونتيجة لذلك ثبتت وكالة ستاندرد آند بورز(S&P) تصنيف المملكة الائتماني بالعملة المحلية والأجنبية عند "A/A-1" مع نظرة مستقبلية مستقرة في 16 مارس 2024. كما توقعت الوكالة أن ينمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة بمتوسط 3.3% خلال الأعوام 2024م-2027م، بناءً على نمو التنوع الاقتصادي والاستثمارات غير النفطية ونمو الانفاق الاستهلاكي.