امرأتان من مصر تربى في قصر كل منها نبي، اجتمعتا في الجاه والسلطان والعز، وتفرقتا في التقوى والإيمان والبر. الأولى زليخة امرأة العزيز، وتربى في قصرها يوسف عليه السلام، وكانت زليخة زوجة عزيز مصر، الرجل الثاني في الدولة حسب النظام السياسي في دولة الفراعنة. والثانية كانت آسيا امرأة فرعون، الرجل الأول في الدولة حسب النظام السياسي لمصر القديمة، والإله حسب النظام الديني، وتربى في قصرها موسى عليه السلام. أي أن آسيا كانت أعظم جاهاً وسلطاناً من زليخة وإن عاشتا في زمنين مختلفتين، فيوسف عليه السلام كان قبل موسى عليه السلام بمئات السنين، وكذلك كانت زليخة قبل آسيا، وكلاهما ربت نبياً في قصرها منذ نعومة أظفاره حتى استوى رجلاً سوياً! زليخة ربت يوسف صبياً قبل أن يبلغ العاشرة بعد أن اشتراه العزيز وأهداها إياها، وآسيا ربت موسى منذ اليوم الأول لولادته، بعد أن أوحى الله إلى أمه أن ترضعه، وتضعه في صندوق وتلقيه بالنيل. زليخة غلبتها شهوتها، فأرادت يوسف كما تريد المرأة زوجها، وآسيا غلبها إيمانها على ما عداه، وأرادت موسى كما تريد الأمهات الأولاد، تحيطه بالرعاية والاهتمام وتحميه بأجفان العيون وتضمه بحنان القلب. زليخة ألقت يوسف في السجن، وآسيا منعت موسى من القتل. زليخة أرادت الدنيا، وآسيا أرادت الآخرة. زليخة لم تؤمن بيوسف إلا بعد أن بلغت أرذل العمر، فصارت عجوزاً ذليلة بعد أن فقدت زوجها، ثم فقدت عزها ومالها، ثم بصرها. آسيا آمنت بموسى منذ اليوم الأول الذي دعاها فيه إلى الله. زليخة كانت شهوتها هي التي فرقت بينها وبين زوجها، وآسيا كان إيمانها هو الذي فرق بينها وبين زوجها!