{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} إن الله قسم الجمال بين الناس، كما قسم الأرزاق، فمن أغناه فعن فضل منه، ومن أفقره فليس عن فقره منه سبحانه، وكذلك الجمال فمن خلقه جميلا، فإنما هو نقطة في بحر إبداعاته سبحانه، ومن خلقه أقل جمالا، فليس عن عجز منه، ولكن كل شيء عنده بقدر. فإذا غرك جمالك، فتذكر أن شخصا عاش يوما على هذه الأرض كان جميلا حد الخيال، جميل إلى درجة أن تقطع النسوة أيديهن وهن ينظرن إليه، لو أن زليخة زوجة عزيز مصر وحدها قطعت يدها، لكانت امرأة فتنت برجل. ولطالما كان الجمال نسبيا فما تجده جميلا قد يراك غيره عاديا، أما أن تقطع كل النساء الحاضرات أيديهن وهن لا يشعرن، فهذا يعني أن جمال يوسف عليه السلام كان متفقا عليه، كان بهيا حد الفتنه وقد كان جميلا حد الذهول أنيقا حتى يشك في آدميته. ثم ماذا فعل هذا الجميل البهي؟ كان بهيا بأخلاقه قبل وجهه، جميلا بقلبه قبل مظهره، وهو في السجن يطلبون تأويل رؤياهم لأنه من المحسنين، وهو عزيز مصر يطلبون صدقه لأنه من المحسنين. لم تغيره الأماكن، ولم تبدله المناصب، ويطوف على الحقول ويشرف على الزراعة ويبني أهرامات القمح، وليحفظ محاصيل الناس، ويحمل على عاتقه إطعام أمة في سبع عجاف! هذا هو الجمال الحقيقي! ومن رحمته سبحانه عندما فاوت في الجمال بين الناس، فاوت في الأذواق فكل جمال مهما قل هناك من يستحسنه وهناك من لا يراه جميلا. * كتاب رسائل من القرآن