كثير من الأحيان تغشانا فكرة الوصول للنهاية السعيدة ولكن إذا كانت تلك هي النهاية فلماذا نبحث عنها؟ نعيش حياتنا كما لو كنا نؤدي على مسرح كبير، حيث كل يوم يحمل بروفة جديدة، وكل لحظة مرتجلة تصبح جزءًا من العرض الكبير. الصباح الذي نبدأ فيه يومنا، الطرقات التي نسلكها، العمل، اللقاءات العابرة كلها مشاهد في مسرحية حياتنا. هل وصل ببعضنا الحال إلى أن يرضى أن يبحث عن النهاية فقط لأنها قد تكون سعيدة؟ ما الفائدة من سعادة لا حياة بعدها؟ وهل سيكون هناك وقت كافٍ لنحتفل بها أم أن النهاية ستكون كتلك المسلسلات التي يترك فيها المخرج المشاهد وحده مع كثير من السكون الذي لا تكسره إلا أفكاره التي قد تبتعد به تماماً عما أراده المؤلف؟ في الواقع، كل لحظة تمر بنا هي جزء من تكوين النهاية، سواء كانت سعيدة أم لا، الأهم هو كيف نعيش هذه اللحظات وكيف نؤدي أدوارنا. نحن من يكتب حكايانا، ونحن من بيده أن يجعلها نهاية لبداية كانت حزينة وتنتهي عندها أو بداية لنهاية كانت حزينة تبدأ معها حكاية أخرى سعيدة تجمع الأبطال جميعاً، حتى أولئك الذين حكم عليهم السيناريو بأن يبتعدوا أو أن يكونوا مجرد «كمبارسات». الجميل في هذه المسرحية هو أن كل شخص لديه القدرة على تغيير دوره، من كمبارس إلى بطل في قصته أو قصة غيره فيتحول الجار الصامت الذي لم نكن نتحدث معه إلا مرات معدودة إلى صديق مقرب في مشهد مفصلي من حياتنا، ليقدم لنا النصيحة أو الدعم الذي قد يغير مسار قصتنا. وبالطريقة نفسها، قد يصبح زميل العمل الذي لم تجمعه معنا سوى مهام روتينية، شريكًا في مشروع يحمل بصمة تغيير في مسيرتنا المهنية، مُظهرًا أن الأبطال في حياتنا قد يأتون من أماكن لم تكن متوقعة. نحن جميعاً أبطال لحكايانا نعيش قصصاً كتبت دون تحديد لنهايتها وترك هذا الأمر لنا فيها، وبتنا كبرامج تلفزيون الواقع يتابعنا الجميع بكل خطواتنا سواء تلك التي نفخر بها أو تلك التي نحاول عبثاً إخفاءها. قد نعتقد أننا أجدنا التمثيل وأقنعنا المشاهد ولكن قد يغيب عنا أن ذلك المشاهد قد أدمن مشاهدة ما نقدمه وبات ينتبه للتفاصيل مبتدئاً بالعيوب قبل المزايا خصوصاً أنه في عالم الاحتراف بات الإتقان أمرًا مهمًا والابتعاد عنه قد يكشف النواقص وقد يتسبب بخسارتنا لبعض المتابعين ليبتعدوا بذاك عن حياتنا وقد نتقنه ونصبح قصصاً تقضي بها المجالس أوقاتها. قديمًا، كنا نسرف في البروفات ونتجاهل الأخطاء وقت العرض لأننا نعلم أنها مجرد بداية، وإن أخطأنا فسيكون هناك دومًا عرض آخر نتجنب فيه الأخطاء ولكن اليوم وقد اقتربنا كثيرًا من الاعتزال بتنا نخشى خشبة العرض التي تحولت لمثل ما يشبه التابوت الذي تركزت عليها الإضاءة في ذلك العرض الأخير وتجهز أولئك الذين افترضنا أنهم أعضاء في فرقتنا لسحب الستارة وإغلاقها للمرة الأخيرة دون اعتبار لماهية النهاية وهل هي سعيدة أم حزينة. هناك بعيدًا خلف الكواليس تقف مجموعة أخرى تتجهز لنزع الألوان والديكور تجهيزًا للعرض التالي الذي لا يعلم أحد هل ستكون نهايته سعيدة أم حزينة؟ والسؤال هنا «هل يجب أن نخشى النهاية؟» أم يتوجب علينا أن نتعلم كيف نستمتع بكل لحظة، مهما كانت بسيطة، ونعتبرها جزءًا لا يتجزأ من العرض؟ في النهاية، حياتنا ما هي إلا مسرحية كبيرة، ونحن من نختار كيف نؤدي فيها. دعونا نجعل كل لحظة تستحق أن تكون جزءًا من هذه المسرحية العظيمة، متذكرين دائمًا أن كل نهاية هي بداية جديدة تنتظر أن نكتبها بأيدينا. في نهاية رحلتنا عبر مسرح الحياة، دعونا نتوقف لحظة لنتأمل قوة الدور الذي نلعبه كل يوم، ونتخيل كيف يمكن لهذا اليوم أن يكون مختلفًا إذا ما شعرنا بأننا الأبطال في مسرحية حياتنا، واثقين بقدرتنا على إحداث التغييرات، ليس فقط في حياتنا بل في حياة الآخرين أيضًا. لنتأمل في الأدوار الصغيرة التي نؤديها، تلك التي غالبًا ما نتجاهل أهميتها، ولكنها في الحقيقة قد تكون كفيلة بتغيير مسار الحكايا لشخص آخر. كل كلمة طيبة أو لفتة بسيطة منا قد ترسم ابتسامة أو توفر الدعم الذي قد يحتاجه أحدهم بشدة. دعونا نتأمل ونفكر في تلك الدروس التي تعلمناها من كل عرض قدمناه في مسرحيات حياتنا حتى الآن، وكيف يمكن استخدامها لجعل العروض القادمة أكثر إشراقًا ومعنى. وأخيرًا، لنتأمل في كيفية تأثير التوقعات على أدائنا، هل سنؤدي الدور لإرضاء الجمهور فقط؟ أم هل نحن مستعدون لكتابة قصصنا الخاصة متحدين تلك التوقعات لنعيش حياة تعكس حقيقتنا؟ هذه اللحظة من التأمل تدعونا لإعادة النظر في كيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا، مذكرةً إيانا بأن هناك دائمًا فرص لتغيير السيناريو وخلق حكاية تلهمنا وتلهم الآخرين على حد سواء.