اليوم والمملكة العربية السعودية تحتفل بيوم التأسيس، كذلك المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تدخل عامها الخمسين وتحتفل بتأسيسها الذي يصادف يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى، وتحتفل "التحلية" وهي تصنع درساً تنموياً مهماً تقدمه السعودية لدول العالم كتجربة ريادية، ويجب أن نتعلم منه، في إرادة الدول لتذليل الصعوبات وتحقيق الصعب، وخلق الفرصة ليس من باب "فن تحقيق الممكن" ولكن من باب "فن تحقيق المستحيل"، فلو قلت لأجدادنا الذين عاشوا قبل ثلاث مئة عام أن مياه البحر المالح ستكون حالية، وأن نهراً عذباً سيجري من الجبيل ليغذي بريدة، ويصعد من سهول تهامة إلى جبال عسير والباحة سيقول لك "مستحيل"، لكنه اليوم كما سنتعرف واقع حقيقي نعيشه ونفتخر به. بالنظر لطبيعة وجغرافية الجزيرة العربية ونحن نشكل الجزء الأكبر منها بمساحة المملكة التي تتجاوز مليوني كيلو متر مربع، تعتبر قضية "الماء" ووفرته قضية كبرى ومصيرية لها، لطبيعة المنطقة وأيضاً كبر مساحة المملكة من شمالها لجنوبها وشرقها لغربها، وهذا يعتبر تحدياً كبيراً في تحقيق وفر للمياه العذبة لساكنيها، وهي ترتبط بوجود الإنسان واستدامة الحياة بكل أشكالها، وركيزة أساسية أولى لبناء الدول وقيام نهضتها، بل وتشكل المجتمعات، ولهذا يُعنى بقطاع المياه على نحو خاص كأولوية لا حياد عنها. وقد شهد قطاع التحلية في السعودية من خلال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، تحقيق إنجازات ومشاريع كبرى جديدة ونوعية، لا تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية وتحسين كفاءة التشغيل وتوفير التكاليف والحفاظ على البيئة فحسب، بل تسعى لتعزيز الاستدامة وقيادة التوجه العالمي لهذه الصناعة وريادتها بما تملكه من قدرات وإمكانيات أصبحت معها السعودية رائدة في هذا القطاع، وخصوصاً أن السعودية قد استثمرت بسخاء في البنية التحتية لقطاع المياه. وقد سجلت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة 9 أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة "غينيس" العالمية، ضمن سلسلة إنجازاتها في هذا القطاع الحيوي في المملكة، الذي يبرز مكانتها الريادية كونها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم بما يزيد عن 11,5 مليون متر مكعب يومياً، وهي نتائج رائدة وأرقام غير مسبوقة سعودية حققتها في عدد من مشاريع المياه المختلفة، بل إن تسليم هذا العدد من الشهادات في توقيت واحد كان ملفتاً للنظر وهو انعكاس على أهمية أرقام "التحلية" ووفرتها وكثرتها. والمزيد من تفاصيل هذه الأرقام الموثقة وغير المسبوقة التي تحققت في وقت قياسي، يعكس القفزات التي حققتها السعودية في هذا المجال الحيوي المهم، والأثر الذي ستحققه هذه الريادة السعودية العالمية على جودة الحياة السعودية والتنمية الوطنية الشاملة بكل مشاريعها وخططها وبُناها الأساسية، على الرغم من شح مواردها الطبيعية وكبر مساحتها، عززت التحلية قيم الابتكار والإنجاز وكفاءة الإنفاق لتوسيع مشاريعها وتطوير بنيتها التحتية وابتكار الحلول والتقنيات ذات الأثر الفعال في استدامة أمن البيئة والمياه. ومن بين هذه الأرقام إضافة إلى كونها المنتج الأعلى للمياه في العالم، فهي تمتلك أكبر نظام لنقل المياه المنقولة بالأنابيب في العالم ممثلاً في شبكة نقل المياه المالحة التابعة لها والتي يبلغ طولها الإجمالي 14,217 كم وسعتها 19,429,486 متراً مكعباً في اليوم تتفرع إلى كافة مناطق المملكة. كذلك تمتلك أكبر عدد من خزانات المياه في العالم بسعة إجمالية تبلغ 8,970,000 متر مكعب. تتوزع في مواقع متعددة في المنطقة الشرقية، والرياض وغيرها. وتنتهج التحلية في إطار ذلك منهجية خاصة توائم توجهات رؤية السعودية 2030 في الابتكار والصناعة والاستدامة، فمن بين أرقامها القياسية في حلولها وتقنياتها الابتكارية امتلاكها أكبر محطة متنقلة لتحلية المياه في العالم، وهي نوع جديد من المحطات المرنة العائمة بسعة 50,000 متر مكعب في اليوم على البحر الأحمر. تواكب ظروف تغير المناخ وما يجلبه من تقلبات في الاحتياج والطلب، وهذا يعكس تخطيط المؤسسة لمواجهة أي متغيرات ضرورية لتوفير المياه. كذلك المؤسسة تمتلك أكبر وحدة لتحلية المياه بالتقطير متعدد التأثيرات في العالم هي وحدة MED-TVC في الشعيبة التي تبلغ طاقتها 91,200 متر مكعب/ يوم، وحيث أن البيئة هي الخيار الأهم في منظومة الحياة، تبنت المؤسسة حلولاً خاصة فهي اليوم تصل إلى رقم قياسي عالمي كأقل استهلاك للطاقة لمحطة تحلية في العالم بلغ 2.271 كيلووات ساعة لكل متر مكعب، كسرت من خلاله المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة الرقم القياسي لخفض التكاليف وتقليل استخدام الطاقة، مما أدى بدوره إلى تقليل التأثير البيئي لتحلية المياه.