بين الفينة والأخرى يتناقل الناس أخباراً عن بعض الأبحاث التي يتم التشكيك إما في مصداقية بياناتها ونتائجها أو مصداقية مؤلفيها أو حتى أهدافها بشكل عام. وهذا كله أمر وارد ومشاهد في العديد من الدول سواءً في أمريكا الشمالية أو أوروبا وروسيا أو الشرق الأوسط وإفريقيا أو حتى أقصى الشرق الآسيوي. في الأوساط البحثية والأكاديمية بشكل عام، تعتبر نزاهة البحث العلمي أمراً لا يقبل النقاش أبداً، فالأبحاث التي تقوم على التلاعب في البيانات والخداع لا يعتد بها، بل يتم معاقبة كل من يقف خلف الأعمال البحثية المشبوهة وغير الأخلاقية. لذلك نجد أن أغلب المجلات العلمية الرصينة والمؤتمرات المرموقة تتشدد في موضوع قبول الأبحاث ونشرها، وهذا غير مستغرب كون تلك الجهات ينظر لها بمنظور الاحترام والتقدير في الأوساط البحثية والأكاديمية. ولكن ما أريد أن أتطرق إليه في هذا المقال، هو عدم التسرع في جلد الذات أو التقليل من الجهود المبذولة في مجال البحث العلمي أن تم سماع مثل هذه الأخبار وكانت تمس أو تشير لبعض الأشخاص أو الكيانات داخل المملكة. جميع الدول بلا استثناء قد تقع فيها مثل هذه الأمور. في الولاياتالمتحدة على سبيل المثال، نسمع أحياناً أخباراً عن عمليات تلاعب في الأبحاث من باحثين في جامعات ومراكز بحثية بعضها يشار لها بالبنان، هذا غير الحالات التي قد يتم كشفها في الجامعات ومراكز الأبحاث ذات الصيت المتوسط والأقل في تلك الدول. قس على ذلك، الحالات التي تحدث في بقية دول العالم المختلفة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين واليابان وكوريا وروسيا وغيرها من الدول من أقصى غرب العالم إلى أقصى شرقه. لا نقول إن ذلك دائم الحدوث ولكن سبق وأن وقع، ومازال يقع، وربما قد يقع مستقبلاً. المملكة اليوم لديها اهتمام كبير في موضوع الأبحاث والابتكار والتطوير، وتدعم هذا القطاع بكافة ما يحتاجه من مال وموارد بشرية ولوجستية. والحراك الذي يشهده القطاع البحثي والأكاديمي في الجامعات ومراكز الأبحاث السعودية هو حراك رائع وأصبح يشهد خطوات تطويرية بدأت تعطي نتائج جيدة ولله الحمد. كانت إحدى أهم هذه الخطوات هو تأسيس هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار منذ عدة سنوات والتي تتولى دعم وتشجيع قطاع البحث والتطوير والابتكار، وتنسيق نشاطات المؤسسات ومراكز البحوث العلمية، واقتراح السياسات والتشريعات والتنظيمات وتقديم التمويل المتصل بالقطاع. أيضاً، الجامعات ومراكز الأبحاث أصبحت أكثر حرصاً في موضوع دعم وتطوير الأبحاث، ليس مادياً ولوجستياً فقط، بل تنظيمياً وتشريعياً كذلك. هذا كله يتم بالتنسيق والتكامل مع دور وزارة التعليم وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار مع الجميع. لا أعتقد أن الشخص المنصف سيبرر الخطأ إن وقع، ولكن في نفس الوقت لا يمكن تعميم خطأ من شخص أو مجموعة أشخاص على قطاع كامل يعمل بشكل ممتاز وينتج وينشر العديد من الأوراق العلمية الرصينة في مختلف المجلات والمؤتمرات العلمية المرموقة على مستوى العالم. الحالات الفردية أن وقعت، يتم التعامل معها ومعرفة الأسباب التي أدت لحدوث الخطأ، وتدارك ذلك مستقبلاً عن طريق معاقبة المخطئ وسن القوانين والتشريعات التي تمنع تكرار ذلك الخطأ أو حتى توضيح اللبس أو سوء الفهم الحاصل. أحياناً، قد تكون المعلومات المتناقلة أصلاً إما غير صحيحة أو لا تحمل تفاصيل تشرح القضية بشكل كافٍ. ومن المهم الإشارة له كذلك، أن بعض الجهات الخارجية قد يكون من مصلحتها إثارة الشكوك حول الأبحاث في المملكة، وذلك بهدف إما وضع العراقيل أمام المملكة لثنيها عن الدخول والمنافسة في مجال الأبحاث وما يرتبط به من صناعات مثل الصناعات الدوائية والحيوية والعسكرية بالذات والتي تعتبر ذات مردود اقتصادي كبير للعديد من الدول، أو التشكيك في كل ما يتم إنتاجه من أبحاث في منطقة الشرق الأوسط وذلك لتعزيز فكرة أن الأبحاث التي يكون مصدرها أمريكا الشمالية أو أوروبا الغربية هي ذات المصداقية الأفضل دائماً. ولعل مثل هذه الحروب واضحة وجلية في السياسة والقطاع التقني خصوصاً بين الولاياتالمتحدة والصين وروسيا. لذلك لا تستغرب أيها القارئ الكريم إن وجدت مثل هذه الحروب في مجال الأبحاث وما يرتبط بها من صناعات مؤثرة ومهمة. ختاماً، جودة الأبحاث ونوعيتها هما أحد أهم أسباب نجاح وتطور الدول، وهذا ما يتم العمل عليه في المملكة بشكل مستمر، ولنكن واثقين بنظامنا البحثي القائم والذي أثبت تميزه ويستمر في تطوير نفسه بطريقة منهجية بلا توقف، والحالات الشاذة موجودة في كل مكان في العالم ولا يعتد بها، ولكن يستفاد منها للمستقبل.