تتسارع الحركة الاقتصادية داخل المملكة العربية السعودية، ومع مضي نصف أعوام رؤية 2030 بدأنا نرى الملامح التنظيمية لمستهدفاتها والوصول لقريب تحقيق تطلعات استراتيجياتها، وتعمل كافة القطاعات على قدم وساق لجعل المملكة مركزاً لوجستياً عالمياً يربط القارات الثلاث (آسيا، أوروبا، أفريقيا) ببعضها، ومن أبرز الجهات التي تساهم بشكل فعال في تحقيق هذا المستهدف؛ هي هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والتي نشاهد تحركها الدؤوب في هذا الاتجاه عبر تطوير أنظمتها وسن تشريعات وأنظمة وتهيئة الأرضية المناسبة لتكون أحد أعمدة رؤية 2030 في المجال اللوجستي وغيره، ومن ذلك إصدار الهيئة مؤخراً القواعد المنظمة لتشغيل مناطق الإيداع في المملكة. مناطق الإيداع هي أحد النظم والأوضاع الجمركية الخاصة التي تُمكن المستوردين والمصدرين والشركات اللوجستية من تخزين البضائع والقيام بالأنشطة والعمليات اللوجستية داخل هذه المناطق، وكأنها مستودعات عملاقة تُخزن بها هذه البضائع تسمح بتعليق رسومها الجمركية وضرائبها حتى يتم إدخالها للسوق المحلي أو إعادة تصديرها، هذه المناطق ستكون علامة فارقة في تعزيز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، حيث ستساعد في زيادة المرونة في إدارة السيولة المالية، وتوفير بيئة تنظيمية داعمة لتنمية الحركة التجارية، وتحقيق المرونة في عمليات الفسح والتخزين وإعادة التصدير لوجهات مختلفة ورفع كفاءة التبادل التجاري، مما يجعلها مناطق جاذبة للحركة التجارية العالمية عبر تسريع أتمتة الخدمات اللوجستية في السعودية وتحويلها إلى عالمية. التنظيمات التي أصدرتها الهيئة تشمل تراخيص مناطق الإيداع وأسس ممارسة النشاط داخلها والتزامات المشغّلين وصلاحيات الهيئة الإشرافية والرقابية، حيث سيتم تطبيق هذه القواعد بعد 90 يوماً من نشرها، وذلك بهدف التيسير للمستفيدين من الخدمات بمنح الوقت الكافي لهم للتجاوب مع المتغيرات، ويمكن للجميع الاطلاع على التنظيمات والقواعد عبر موقع الهيئة على الإنترنت. المملكة العربية السعودية تتمركز بشكل قوي في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، فمع اتفاقيات "الحزام والطريق" واتفاقية "الممر الاقتصادي" جعلت من الضرورة ترقية وتحديث البنى التحتية والأنظمة والتشريعات، وتعد مناطق الإيداع وتنظيمها تطوراً مهماً في هذا القطاع، خصوصاً مع ما يشهده العالم من توترات في الممرات التجارية الدولية واضطرابات سلاسل الإمداد لكافة البضائع، فوجود بلد مستقر متطور وقوي لوجستياً وذي رؤية طموحة ومشاريع عملاقة هو أيضاً ضرورة ليس فقط على المستوى المحلي أو الإقليمي بل حتى على المستوى العالمي.