أسرع طريقة للشهرة في عالم السوشل ميديا بكافة منصاتها في هذا الزمان هي تفسير الرؤى سواء بخلفية علمية شرعية أو حتى بالخداع والوهم. المهم هو القدرة على إقناع المشاهد على أن تلك التفاسير فيها كشف للأمور الغيبية في حياة صاحب الرؤيا كالتنبؤ بمصدر رزق من مال أو غيره. مقالي يتناول جانباً إنسانياً وعقلياً في حياة أصحاب الرؤى يجب أن يراعيه المفسرون، وسأبدأ بقصة سيدنا يوسف عليه السلام، قال الله تعالى (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين) وتعود تفاصيل القصة إلى سيدنا يوسف الذي رأى وهو صغير في منامه ذات ليلة رؤيا عجيبة ظهر فيها أحد عشر كوكباً من كواكب السماء وقد خرت جميعها ساجدة له أو أمامه، كما رأى الشمس والقمر أيضاً ساجدين له مع تلك الكواكب. وقال المفسرون: إن الكواكب الأحد عشر التي رآها يوسف عليه السلام هي أخوته فقد كان إخوة يوسف عليه السلام أحد عشر أخاً أكبر منه، أما الشمس والقمر فهما أبواه. هذا الحلم الذي رأه سيدنا يوسف عليه السلام لم يتحقق إلا بعد أربعين عاماً، ولم يشك في تحقيق هذه الرؤيا الصادقة. وهذه القصة لنبي الله يوسف هي رسالة لكل من يعاني في حياته ولا يدرك أن أقدار الله ستأخذه بعدة مراحل، فلا حزن يستمر ولا فرح دائم، فقد نرى رؤيا ويتم تفسيرها بشكل صحيح قد تكون محزنة لنا بموت قريب أو مصيبة من مصائب الدنيا، فلندرك أنه قدر الله وأنه متحقق ولا مفر منه، ولنمارس حياتنا بشكل طبيعي، فنحن لا نعرف متى تقع تلك الرؤيا وتتحقق، فقد تطول بنا المدة وقد تقصر ولكنه أمر الله النافذ فلا ننغص حياتنا بالنكد أو ضنك أو همّ أو غمّ أو نجلس ننتظر متى تتحقق تلك الرؤى. أرى كثيراً من الناس -وأنا منهم- عندما يرى رؤيا يستاء منها وتكدره، يقوم بربطها مع ما يواجهه من أحداث يعيشها بوقت قريب، وهو أمر قد يؤثر على حياة الشخص ويجعله يترك فرص وظيفية قد تكون ليست هي التي في الرؤيا أو قد يؤجل زواجه خوفاً من أن تتحقق تلك الرؤيا، أو قد يقوم بتأجيل سفر له خوفاً من أن يصيبه مكروه في ذلك السفر، وهو للأسف فيه ضعف إيمان من عدم الاتكال على رب العالمين في تسيير أمورنا وتحقيق مصالحنا، فهو من خلقنا وتكفل بمعاشنا ورزقنا وحتى مماتنا. فالأَولى بنا عدم الركون إلى تفسيرات تلك الرؤى التي من شأنها أن تهدم حياتنا وقد تكون من الشيطان. ولديّ وجهة نظر فيمن يتعلق بتلك الرؤى سواء كانت صادقة أم حديث نفس أم من الشيطان، فهو كالذي يتعلق بالأبراج ويبدأ يلخص حياته وسعادته وشقاءه وصفاته بناء على برج مولده، وهي حقيقة لم نقرأ عنها في عهد الآباء والسلف الصالح بأن لها دلالة في تكوين الشخص أو صفاته، ولكن ما ندركه أن هناك دليل إرشادي وضعه لنا رب العباد من خلال نبيه صلى الله عليه وسلم نستدل به على كيفية التعامل مع أمور حياتنا والتي منها الرؤى وتأثيرها في حياتنا، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان، فمن رأى رؤيا فكره منها شيئاً فلينفث عن يساره وليتعوذ من الشيطان لا تضره ولا يخبر بها أحداً، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب). عزيزي المفسر: تذكر دائماً أن علم الغيب تفرد به رب العباد الذي كوّن هذا الكون بما فيه من مخلوقات وكواكب ونجوم وأمور حياتية ومعيشية لا نعلمها ويعلمها الله ولعلمه سبحانه بحكمة إخفاء الغيب والمستقبل ولما له من مضار ومساوئ على البشر لو علموه. فلا نركن لأحلامنا ورؤانا ونترك عملنا وحياتنا، فلننهض من الركون والاستسلام لهؤلاء المفسرين أو الدجالين على منصات التواصل الاجتماعي والذين يخطئون أكثر مما يصيبون، ولنتكل على الله في مستقبلنا وحياتنا حتى يأتينا اليقين.