يعرف علماء النفس الإشباع الفوري بأنه استعجال الحصول على فائدة ما على حساب فائدة مستقبلية أكبر. وقد تكون الفائدة المعجلة ليست بفائدة في حقيقتها بل ضارة، لكن كراهية الانتظار حتى الحصول على الفائدة الكبرى هي التي تزين الحصول على الفائدة العاجلة والزهد في الفائدة الآجلة. ومن أمثلة ذلك مشاهدة التلفاز بدلًا من الاستعداد لاختبار الأسبوع القادم، ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من قضاء وقت مع الأسرة، وتناول طعام غير صحي رخيص مثلا بدلًا من الالتزام بنظام صحي مرتفع الثمن، الجلوس وتصفح مواقع الإنترنت ساعات عديدة بدل ممارسة الرياضة، ومتعة إنفاق المال بدلًا من توفيره لأمور أكثر أهمية في المستقبل، والسهر ليلًا لأمر مبهج آنيا ثم الاستيقاظ مع تعب بدلًا من النوم باكرًا والاستيقاظ براحة، والرغبة في شراء سيارة جديدة بقرض بدلًا من الانتظار حتى توفير المبلغ وشرائها دون فوائد، أو النوم والتقصير في واجب ديني مثلا بدل القيام به على أكمل وجه. وهكذا يتجنب البعض القيام بمهام ومسؤوليات ذات فائدة عالية مقابل الحصول على بهجة أو متعة معجّلة. وتأتي القراءة في أعلى قائمة الأمور التي يتجنبها البعض طمعًا في المتع الأخرى سريعة النتائج. والمشكلة التي يعاني منها كثيرون هي زيادة هذه المتع سريعة النتائج وقليلة الفائدة حتى صارت تحاصر الإنسان من كل جانب، مهدرة وقته وجهده وماله، حتى كأننا نعيش في عصر الإشباع الفوري أو ما يسمى (Instant Gratification)، في ظل غياب إعطاء الأولوية للأهداف بعيدة المدى الذي يسمى الإشباع المؤجل أو الصبر. وقد أجرى أحد الباحثين (هو والتر ميشيل) تجربة شهيرة سميت تجربة مارشميلو ستانفورد؛ حيث عرض نوعًا من الحلوى (مارشميلو) على مجموعة من الأطفال، وخيَّرهم بين إعطائهم قطعة واحدة منها فورًا أو قطعتين منها لاحقًا. فتبين بعد متابعة طويلة المدى لهؤلاء الأطفال أن الذين كانت لديهم قدرة على مقاومة أكل الحلوى فورًا كانت فرصهم في النجاح أكبر في مراحلهم العمرية التالية، كما حصلوا على درجات أعلى في اختبارات (SAT)، وكانوا أكثر قدرة على التحكم في الذات ومقاومة مختلف الإغراءات، في حين لم تكن المجموعة الثانية منهم، الذين استعجلوا الحصول على قطعة واحدة من الحلوى، بنفس النجاح. ويبدو أنه وبشكل طبيعي هناك قسم من البشر في كل المجتمعات يميل إلى القيام بالأنشطة والأمور التي يحصل منها على نتائج أو مكافآت فورية لا على وعود بالمكافأة. وغني عن الذكر أن أغلب فوائد القراءة مؤجلة وليست فورية، وحتى مع وجود الفوائد الفورية للقراءة (كإزالة التوتر، والمساعدة على النوم، وكذلك الحصول على بعض المتعة والبهجة من بعض الكتب) فإن قلة من الناس فقط تعرف ذلك. ولذلك فإن هناك عزوفًا عن القراءة في زمننا هذا، خاصة مع ازدياد الخيارات الأخرى التي يمكن الحصول منها على متع معجلة وسهلة؛ فلماذا إذن نتعب أنفسنا بانتظار متعة بعيدة كالقراءة؟ وللتخلص من هذه المشكلة يمكن استخدام تكتيك يقوم على أن يضع المرء بعض القيود على نفسه؛ كأن يقول: لن أشاهد التلفاز إلا إذا قرأت 10 صفحات مثلًا من هذا الكتاب، فهذا يسمى هنا ألمًا فوريًّا بعدم مشاهدة التلفاز، وقد يدفع نحو القراءة، ثم إن النظر والتفكير المتكرر في الفوائد المستقبلية والمؤجلة للقراءة قد تدفع البعض للتوجه لها. *الطفل الذي يأكل الحلوى بدل الخبز سيكون سعيدًا ولكنه سيصاب مستقبلًا بالاضطراب المعوي والهشاشة. نيتشه