إن من ينادون بالتعامل مع الأم بعنف يرون أن دورها كأم ينتهي بانتهاء مرحلة الطفولة وانتهاء فترة وظيفة تلك المرحلة ولا يرون أن ذلك الدور ووظائفه صنعتهما مشاعر قوية لا يعلمها إلا رب العالمين الذي لا يريد لها أن تحزن أبداً.. وقد تكررت هذه الإرادة الربانية في عدة مواضع من القرآن الكريم.. في اللغة يقال: ضنَّ بالشيء بمعنى بخل به، دلالة على أن هذا المضنون به له مكانة رفيعة عند صاحبه مادياً كان أو معنوياً. وفي معنى الضن جاء الضنى وهو الإعياء والجهد والمرض. وفي اللغة أيضاً: ضنت المرأة أو أضنت بمعنى أنجبت وكثر نسلها ومنه جاءت تسمية الابن أو الابنة ضنى، فالحمل والولادة والتربية والمتابعة والقلق والخوف على الأبناء من أكبر مسببات الضنى وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي معظم اللهجات العامية جاءت كلمة (ضناي) كاسم للابن أو الابنه.. وقد استخدم الشعراء هذه الكلمة (الضنى) للدلالة على ما يجدونه من عذاب في الحب، يقول ابن رشيق القيرواني: وقائلة ماذا الشحوب وذا الضنا فقلت لها قول المشوق المتيم هواك أتانا وهو ضيف أعزه فأطعمته لحمي وأسقيته دمي فلا عجب أن تشتق (ضناي) للإشارة إلى أحد الأبناء ذكرهم أو أنثاهم للدلالة على التعب الجسدي والنفسي الذي يصاحب ذلك الحب الغريب من الآباء والأمهات تجاه الأبناء، والأعجب أنه ضنى متقبل ومرحب به فيقال (الضنى غالي) فمادة هذا الضنى مع الأبناء مادة قلبية تصاغ من حب غريب لاحد له ففي صغرهم نعتقد بأن ما نجده من ضنى ما هو إلا رحمة وإشفاقاً عليهم ونتوهم بأن ما يصاحب ذلك من قلق وخوف عليهم ستخف حدتهما كلما كبروا ولكن ما يحدث خلاف ذلك فهم يكبرون والضنى يكبر معهم حتى يتجاوزهم إلى أبنائهم. كنا نخاف عليهم عندما تسابق ركبة أحدهم كفه في الحبو ثم في الخطوة الأولى ثم في باقي مراحل طفولتهم وما بعدها فنخاف عليهم من كل شيء وأي شيء سواء كان جرح في الجسد أو كسرة في القلب وتأخذ الآباء والأمهات طرق شتى للتعبير عن ذلك وقد يختلف معها الأبناء أو يتفقون وقد تزعجهم وقد تنفرهم ولكنه في النهاية صادر من قلب أم أو أب ومع كل هذا تعالت في السنوات الأخيرة أصوات كثيرة تسيء لهذه العلاقة وتدعو للتعامل مع الأم على وجه الخصوص بندية وتحد صارخ ووقح لكل ما قد يصدر منها حتى دعوا إلى نبذها وقطع الصلة بها تحت ذريعة (حب ذاتك)! نعم قد تكون هناك حالات مرضية وشاذة عند بعض الأمهات ولكنها تتطلب التعامل معها بحذر شديد جداً يكون أقله القول الكريم وهذا بالضبط ما حدده الله عز وجل في كتابه بعد الأمر الإلهي بعبادته أولاً والإحسان للوالدين ثانياً (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما)، فبالدرجة الأولى هناك الإحسان الشامل والعام في التعامل معهما وبكل الطرق الممكنة في التعامل معهما وبالدرجة الثانية يأتي التعامل اللفظي وهو أدنى درجات الإحسان إليهما وبه تستكين النفوس وتهدأ القلوب المضناة. إن من ينادون بالتعامل مع الأم بعنف يرون أن دورها كأم ينتهي بانتهاء مرحلة الطفولة وانتهاء فترة وظيفة تلك المرحلة ولا يرون أن ذلك الدور ووظائفه صنعتهما مشاعر قوية لا يعلمها إلا رب العالمين الذي لا يريد لها أن تحزن أبدا. وقد تكررت هذه الإرادة الربانية في عدة مواضع من القرآن الكريم. كم هو مؤلم ما نراه وما نسمعه من بعض قصص العقوق المروعة التي كسرت قلوب الأمهات وأدخلتهن في دوامة حزن لا ينتهي.. إن القول الكريم هو أضعف الحيل للتعامل مع حالات كثيرة بين الأهل والأبناء. واليوم صار دعاة التنمية الذاتية لا يخجلون ولا يخافون من شحن قلوب الأبناء ضد أمهاتهم أو آبائهم بما يعزز وينمي العقوق وكسر القلوب الرحيمة. وبكل بساطة يدعون إلى التخلي عنهم. لقد سمعت وقرأت مثل هذه الآراء لأكثر من شخصية ممن يسمون أنفسهم (مدرب حياة) وهم يشيرون لبعض المراهقين بذلك الرأي الجائر، ونحن نعرف أن هذه المرحلة الخطرة جداً قد تؤدي إلى تدمير المراهق قبل أهله.. ما أعظم كتاب الله الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلا وأرشدنا إليها ويبقى دورنا لنستوعبها ونحسن فهمها وتطبيقها.