سبقت بحوث اللُّغويين في قضايا اللفظ والمعنى غيرها في الترتيب الزَّمني، تلتها بحوث النَّحويين ثم الأصوليين، لقد تناول الأصوليون - وعلى رأسهم الشافعي - المعنى في علاقته باللفظ من مُنطلق أنَّ المعنى أسبق من اللفظ، ومن ثَمَّ فإن المعنى يتحكم في الموقف ويُحدد الحركة، فإذا تحرك المعنى وانطبق على اللفظ، قالوا: إنها علاقة "مطابقة"، وإذا صادفت حركة المعنى جزءًا من اللفظ، أصبحت العلاقةُ علاقةَ "تَضَمُّن"، وإذا توازت حركة اللفظ وحركة المعنى، قيل إنها علاقة "إلزام". في مجال النقد العربي القديم، حظيت قضية الصياغة والمعنى بأهمية كبيرة عند تحليل الأدب. فقد منح النقاد اهتمامًا خاصًا لتوازن الكلمات والمعنى في الشعر والنثر، فرأوا أن اللغة والبلاغة هما المكونان الأساسيان لتحقيق التأثير الفني. تركزت تلك المسألة حول استخدام الألفاظ والجمل بدقة لتبليغ المعاني بأفضل طريقة، وتركز التحليلات على الإيقاع والتشبيه والاستعارة اللغوية؛ لضمان التوازن والجمال في التعبير، مستشعرين تأثير اللغة في نقل المشاعر والأفكار، وكانوا يقدّرون الكلمات الحسنة، التي تعزز المعنى وتجعل النص أكثر فاعلية وإلهامًا. اختلفت وجهات نظر النقاد والبلاغيين العرب حول مسألة اللفظ والمعنى، وفقاً للتوجهات الفكرية والأدبية المتنوعة لهم. فقد ركّز بعضهم على أهمية اللفظ في نقل الفكرة بدقة، بينما رأى آخرون أن المعنى يحمل أهمية أكبر في فهم النص، وتطرق البلاغيون العرب إلى توازن اللفظ والمعنى كجانبين أساسيين في النصوص الأدبية. وسنتعرض أولًا إلى رأي الجاحظ، الباحث والأديب العربي في العصر العباسي، فقد أولى اهتمامًا كثيراً بقضايا اللغة والأدب، رغم أنه لم يتطرق إلى موضوع اللفظ والمعنى بشكل مباشر في كتاباته، إلا أنه واظب على الإشارة إلى أهمية فهم اللغة واستخدامها بدقة. يؤكد الجاحظ على أهمية التعبير اللفظي السليم والدقيق لنقل المعاني بفاعلية، إذ يُعتبر واحدًا من أوائل الباحثين في تحليل اللغة العربية واستخدامها بشكل ماهر في الأدب والخطابة. الفئة المغلّبة لأهمية اللفظ على المعنى، ترى أهمية الكلمات والتراكيب اللغوية للتعبير، فتضع الجمال الذي يمكن أن يكتسيه اللفظ من تلقاء ذاته في المرتبة الأولى، وترى أن اللغة تحمل قدرًا هائلًا من إمكانات التعبير. يعتقد البعض أن استخدام اللغة والتركيب اللفظي بدقة، يمكن أن يساهم بشكل كبير في نقل المعاني بوضوح وفعالية. يعكس هذا الرأي توجهات بعض التيارات الأدبية التي تعتبر اللغة نفسها فنًا ووسيلة فعالة للتعبير. أمّا الذين يؤيدون الفكرة على التعبير الرنان، يعززون أن الجوهر والدلالة هما أكثر أهمية من الجمال اللفظي. من بين النقاد القدماء الذين كانوا يهتمون بشكل أكبر بالمعنى ويضعونه فوق اللفظ، أبو حيان التوحيدي الذي عاش في القرن الخامس الهجري، واحدًا من النقاد المهمين في التراث الأدبي العربي، فقد أكد على أهمية فهم المعاني والرسائل العميقة في النصوص الأدبية، وأظهر اهتمامه بتحليل المحتوى واستكشاف المعنى، مفضلًا الدلالة على الكلمة. أبو حيان التوحيدي ركز بشكل كبير على المعنى أكثر من اللفظ، عند التقييم الأدبي للنصوص، وأكّد على أن الجمالية اللفظية يجب أن تستخدم كوسيلة لنقل الأفكار والفهم العميق. رأى فريق من أدباء العرب القدامى بالتكامل بين وظيفة اللفظ والمعنى، ومن بينهم الإمام الشافعي الذي اهتم بعلم البلاغة، وكان يدعو لفهم شامل يجمع بين اللفظ والمعنى، واعتبر استخدام الكلمات والمعاني معًا، يساهم في إيجاد تأثير مقنع، وضمّن مؤلّفاته العديد من القوانين والمبادئ التي تؤكد أهمية التوازن بين الجانبين في الخطاب اللغوي والأدب.