في زمن انقرض فيه الأوفياء، تستطيع أن تكتب رواية كاملة لشخص فقط لأنه الوحيد الذي أحبك ولم يخنك، هكذا انطلقت أحلام مستغانمي في سرد حكاية حبها لوالدها، مؤمنة بأنه لا عزاء لها عن فقدانه سوى الكتابة إليه بقلم يحمل من الجراح أكثر مما يحمله من الحبر. «القهر أكسبني شجاعةً ما كنت لأكسبها لولا إحساسي بالظلم». هكذا برّرت أحلام جرأتها اللامتناهية في رسم أجمل اللوحات الأدبية «أصبحت أنت» وتفننت في تنميق الكلمات التي صنعت حدادها الأبدي على والدها محمد الشريف مستغانمي، بصفة خاصة وعلى الجزائر بصفة عامة. هل كان لأحلام أن تبكي دون قلم؟ فتجعل والدها يعود إلى الحياة فوق الورق؟ تلك الأسئلة الكبيرة التي تراودنا ونحن نقرأ سيرتها الروائية ستصير معروفة الأجوبة وسيصعب على القارئ أن يفارق صفحاتها دون أن يشعر بالألم، وبالحيرة كذلك، بين أسلوب تشويقي جميل، ولغة مليئة بالجماليات الأدبية روت لنا أحلام حبها لوالدها الذي أصيب بانهيار عصبي ودخل على إثره المشفى، لكنه لم يتوقف عن مساندتها ودعمه لها في فترة الاستعمار الفرنسي، خاصة أنها كانت من الأوائل الذين درسوا باللغة العربية بعد أن كانت الجامعات والمدارس كلها باللغة الفرنسية، ولأنهم خيروها بين مواصلة الدراسة وبرنامجها الإذاعي الذي لاقى صدى واسعا وقتها اختارت أحلام تحقيق طموحاتها دون التخلي عن دراستها، فواصلت مشوارها. كمخرجٍ يضيف المؤثرات الصوتية إلى مشهده كي يجعله يبدوا أكثر صدقاً راحت أحلام تتحفنا بعمق أدبي و شعري مزخرف بأسلوب أقل ما يقال عنه مُتقن.. مميّز.. وعالمي هذا ما جعل حروفها تقفز إلى قلوب القرّاء دون استئذان. «ما الحب إلا تساؤل لا ينتهي.. لأن كل أجوبته مبنية على وهمنا «هكذا وصفت أحلام حبها وعبرت عن مراهقتها في طابع يرسو على المقارنة بين الأجيال حيث آنذاك لم تكن الإنترنت قد حطت رحالها بعد بمنازلنا، فكان للحب نصيب أوفر من الوفاء والبراءة والمصداقية. كي تكون كاتبا مميزا يكفي أن تكتب ما تشعر به، هكذا سردت أحلام تاريخها العائلي والوطني والأدبي، فقط من خلال أحاسيسها الصادقة في نص فعلا مدوخ كما وصفه دائما نزار قباني وشمسا للأدب العربي كما قالها الرئيس الجزائري الراحل بن بلة. عمل روائي يشوش أفكارك بين خيال كاتبة كرّست حياتها للأدب، وواقع تاريخي فرض نفسه على إنجازاتها مقتنصا بذلك لهفة عشاق الرواية وشغف النهمين إلى معرفة التاريخ بكل أبعاده. بتوقيت الغرق أبحرت أحلام تصف ألمها وتمردها وجنونها على كل الذين اضطهدوها وحاربوا بداياتها فغدت مسافرة هاربة من مقصلة العواطف لاجئة إلى عاصمة الرواية الأثرية. «أصبحت أنت» سيرة روائية صادرة عن دار هاشيت أنطوان / نوفل، هي أكثر من سيرة عادية لأنها لم تُكتب لأجل القارئ الوحيد الذي لن يقرأها بل لكل قرّاء العالم الذين يدركون أنه لا صوت يعلو فوق صوت الحقيقة، وأنه على التاريخ أن يرتبك في حضرة هذا الإنجاز الأدبي الضخم. * كاتبة جزائرية أحلام مستغانمي «أصبحت أنت» رواية أحلام مستغانمي