غياب طويل فرضته الحياة، بعد أن خرجت أشباههم من دار واحدة، فنأت مرابعهم وشط مزارهم، وتباعدت أرواحهم قبل أجسادهم، وتلاشت جل الأواصر، وطفقت سني العمر تختط لهم طرقاً متعرجة قد تتوازى دون التقاء، وباتت وداعة الإنسان، ولطافته وعاطفته رابع المستحيلات، وحتى من كان يركن إلى جداره رجاء قيم طالما تشدق بها، ونصائح مثقلة حكمة لا يؤمن بها، مازالت أصداؤها تملأ ذاكرة المكان والزمان، يتدثر أول قميص ليوسف، متماهياً مع بغيض يسول له حسده ونفسه الأمارة بالسوء أن يلحق الضرر بمن أسدى له معروفاً تناساه، ومن سانده يوماً حينما غالبته معتركات الحياة، أساليب ملتوية وحبائل ماكرة، تجمعها أنفس غلف، وأيد جاحدة تمتد غلاً وخديعة، تقتات على آلام الناس وتتراقص على أوجاعهم، أي عالم نحن فيه! وكيف للدم النقي أن يصبح ماء آسناً؟ وعلى هوامش الحياة، وبنيات الطريق شواخص خافتة لا تدل ضالاً أخذه التيه بعيداً ليستنطق المعالم فلا تجيب، إنها مدينة واحدة بأزمنة متعددة لا تعرف الهدوء حتى النبضة الأخيرة، يخترق ضجيجها سكون الموتى، بعد أن توسدوا النقاء، وحملوا في أكفانهم وشائج الرحمة، وتركوا لمن بعدهم انهزامية وبؤساً وشقاقاً واختلافاً، وهوة لا تردم، وقلوباً سوداء ظلالها لا تنزوي عن المكان، وغيمة قاتمة لا تنقشع، ويدور دولاب الزمان متثاقلاً متباطئاً، فيفتح الستار، لتقدم أقداح القهوة الباردة، مع طقوس لقاء باهت، فيلوك الحديث متملق، ويأخذ بأطرافه نمام وواشٍ، ويحيك الفتنة بغيض، لتلفظ تلك المنضدة التي تتوسط المكان كل الكراهية والأحقاد، فلا يجد الغائب ملاذاً سوى سفينة تعصف أشرعتها الرياح، وتتلاطم بحرها الأمواج، حبائلها أمداد الدعوات، وساريتها رحمات السماء، إنها الأشباه التي كنا نعرفها قديماً، ولكنها اليوم ليست كما نعرف! * مدير مكتب مؤسسة اليمامة الصحفية في المدينةالمنورة خالد بن حمد الزايدي