علينا قبول حقيقة أن كل شيء حولنا يتغير وينتهي، قدرتنا على المصالحة والتكيّف مع التغيرات والتغلب على صعوبات الفراق ستزيد من اتساع بصيرتنا، وممارسة التأمل بما حولنا ستُرسخ وجودنا في الحاضر بدلاً من الانغماس في الماضي أو التفكير المستقبلي الزائد، وستُعيننا على إعادة تقييم وترتيب الروابط مع الأشخاص والممتلكات والذكريات والمشاعر.. هل سألت نفسك يوماً: ما الذي لا تتخيل حياتك من دونه؟ سؤال طرحته على مجموعة واسعة من الأهل والأصدقاء والمعارف على مستوى العالم بجميع قنواتي في وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الإجابات متنوعة على حسب البيئة والتنشئة والاهتمامات والأولويات والاحتياجات والمعتقدات والمواقف ودرجة النضج، استمتعت كثيراً واستغربت أكثر من طريقة التفكير لدى الآخرين، وأيضاً السرعة بالإجابة عند البعض، والتأني عند البعض الآخر، وآخرون كانوا ينتظرون إجابتي أولاً، وكثيراً قالوا لم يخطر على بالنا مثل هذا السؤال العميق؟ يحتاج تفكيراً، وأبشركم إلى الآن ما زالوا يفكرون! فوعدتهم بهذا المقال. معظم الإجابات اهتم أصحابها باحتياجاتنا جسدياً كبشر، للعيش بشكل صحي كالماء، الهواء النقي، الغذاء، كلها مصادر حيوية تساعدنا على البقاء على قيد الحياة والحفاظ على وظائفنا الجسدية. والبعض الآخر كان مفهومه أكثر توسعاً، الصحة، النوم، الرياضة. وانتقل البعض إلى أهمية الراحة العقلية والاهتمام بصحة عقلنا والابتعاد عن الضغوط والتوتر الزائد، والاهتمام بالعلم، والمعرفة، والاطلاع. بيد أن فئة كبيرة اهتمت بالجانب النفسي، الصداقة والعلاقات الاجتماعية، لأننا كبشر نحتاج إلى التواصل والتفاعل مع الآخرين للشعور بالانتماء والدعم الاجتماعي، الأسرة، الوالدين، الزوجة، الأبناء، الأحفاد، نحتاج الروابط القوية مع الآخرين للشعور بالسعادة والرضا، والحب بناءً على قول الشافعي: (سلام على الدنيا إذا لم يكن بها، صديقٌ صدوق صادقُ الوعد منصفا)، والمثل الشعبي: (جنة من غير ناس ما تنداس)، آخرون اهتموا بوجود الهدف والمعنى، والغاية في حياتنا للشعور بأهمية وجودنا واتجاه مسيرتنا. وكان للأمل، التفاؤل، الشغف، الإرادة، الكرامة، العطاء، الحرية، والقِيم نصيب كبير من الإجابات، آخرون كثيرون كانوا يرون أنه لا يمكنهم العيش من دون الوطن، الأمن والأمان، الطمأنينة. آخرون اهتموا برغباتهم الشخصية كالزواج، المال، العمل، الإنجاز، السفر، التكنولوجيا، الإنترنت، الجوال، وسائل التواصل الاجتماعي، القهوة، النساء الجميلات، السجائر، بعضهم قال الحيوانات الأليفة التي يقتنيها. من وجهة نظري الشخصية إن كل الإجابات السابقة كانت لطيفة، سريعة، منطقية، وهذا أمر طبيعي، قد لأنهم لم يعيشوا الشعور بمرارة الفقد (حفظ الله غاليهم جميعاً) فكانوا أهم أولوياتهم، وهذا من حقهم، ولكن غاب عن أذهانهم أننا من فارقنا الوالدين أو الأبناء أو الإخوة شعرنا بالحُرقة والغصة، ولكننا أكملنا المسيرة لأن الحياة تمضي بكل ما فيها، ومن دون أحبة أصبحوا ذكريات يشملهم الدعاء من غير ملل أو كلل وفي كل وقت. وأختم بالإجابات الأخيرة والتي ركز أصحابها على الجانب الروحي، فهم لا يتخيلون الحياة من دون البصيرة، الدين الصحيح، التقوى، القدرة على العبادة، قراءة القرآن، نِعم الله التي لا تُعد ولا تُحصى، الصلاة، ستر الله علينا، ورضاه عنا ورحمته بنا، ورضانا بما كتبه الله لنا، باختصار استشعار الله في كل حياتنا وتعاملاتنا اليومية (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). سعدتُ كثيراً عندما تأملت مع البعض أهمية بدء رحلة فك التعلق بالأشخاص والممتلكات والذكريات والمشاعر، وجدتها عملية صحية وضرورية لتحسين حياتنا الشخصية والعاطفية. عندما نستطيع تحرير أنفسنا من المتعلقات، سنتمكن من إعادة التركيز بعقلانية على الواقع والأصل من وجودنا في هذه الحياة، من سبقونا رحلوا، وها نحن أيضاً نُكمل المسيرة وسنرحل وسيُكملون المسيرة، هذه الحياة رحلة قصيرة، أما عن رحلة فك التعلق من المتعلقات بتعددها، فتبدأ بتركيزنا وإدراكنا أن التعلق والتمسك الزائد بكل ما هو مؤقت ولا يمكننا التحكم باستمرارية وجوده، سيُسبب لنا الألم والحُزن والتوتر، علينا قبول حقيقة أن كل شيء حولنا يتغير وينتهي، هذه سُنة الله في كونه، قدرتنا على المصالحة والتكيّف مع التغيرات والتغلب على صعوبات الفراق ستزيد من اتساع بصيرتنا، وممارسة التأمل بما حولنا ستُرسخ وجودنا في الحاضر بدلاً من الانغماس في الماضي أو التفكير المستقبلي الزائد وستُعيننا على إعادة تقييم وترتيب الروابط القوية والضعيفة مع الأشخاص والممتلكات والذكريات والمشاعر، مما يُحسّن منا نفسياً وجسدياً وروحياً، فنفطن لعلاقتنا بخالقنا، ونتعلق به وحده سبحانه، ونحافظ على توازن شامل بين جوانب حياتنا المختلفة. السؤال هنا: هل إجابتك في 2030 ستبقى نفسها؟