أظهرت رواية «أن تعشق الحياة «(دار الآداب 2020) قدرة علويّة صبح على تفكيك النفس البشريّة بكل تفاصيلها الإنسانيّة والنفسيّة والفكريّة والاجتماعيّة معتمدةً لغة الأنا المكثّفة المتجرّدة من الرمزيّة من جهة والغارقة في الشعريّة والخبريّة المباشرة من جهة ثانية. تعلن صبح بوضوح أن الراوية «بسمة» هي الشخصيّة الأقرب إليها، فهي تعكس مواقف تشبه مواقف الكاتبة وتتقاطع بمعرفتها بالطبيب بول بجاني مع الإهداء المخصّص له، ما يضعنا أمام نسق نصّي حديث بالمبدأ والجوهر وفحوى السياق البانورامي زمنيًّا من واقعة الحرب الأهليّة وصولًا إلى ما بعد الربيع العربيّ، ليكون هذا النّص المفتقر للحوارات ما يشير إلى رغبة الكاتبة في البوح بقدر ما تريد إبداع نقاش أو رأي ورأي مغاير وآية على ذلك أن الفكر النسوي والرغبة بالحياة والقلق النفسي فضلًا عن المعارضة الرديكاليّة للأحزاب الدينيّة لا سيّما حزب الله وقيمة السلام الاجتماعيّة. كلّها شكّلت سلّة متكاملة لرؤية صبح إلى العالم لكنّها لم تواجه في المقابل فكرًا نقديًّا لطروحات «بسمة» رغم إظهار الكاتبة لتحولات الشخصيّات كتحوّل يوسف وتخبّط نزار الأيديولوجي وتأرجح أنيسة ما بين الاستمراريّة والبؤس. شكّل نصّ علويّة صبح انطلاقة واضحة وعميقة للحديث عن امرأة تريد التصالح مع ماضيها عبر سلاحين الأوّل الرقص والذي كان لصيقًا بالحبّ (أحمد/يوسف /حبيب...) والحياة عبر الهروب انطلاقًا من عرض إعجاب آمنة وأنيسة بموهبة الصديقة بسمة إلى سيرتهما الشخصيّة ومشكلاتهما الحياتيّة. على صعيد بنية النص كسرت صبح الدائرة الشكلانيّة الحكائية المتعارف عليها.. فلم تطرح عقدة بل كان السرد المقسّم على جرعات حكائيّة (خصوصًا طبيعة علاقتها بيوسف ومسارها) فضلًا عن انعدام الشخصيّة كعامل مساعد أو معاكس ممّا جعلها شبه ثابتة وتحت إدارة وسيطرة الراوي ممّا وضعنا أمام نصّ يغزوه ضمير المتكلم وأقرب إلى سيرة ذاتيّة، ولعلّ غياب الخطاب الجنسيّ بحدّيته كما شهدناه في مريم الحكايا مثلاً كان لصالح الكاتبة وجنّبها التكرار.. وفعل نقل الحالة الشخصيّة للشخصيات الأخرى وعكس ما وصل إلى «بسمة» الصوت الروائي الوحيد المتحكم بالسرد جعلها تنتقل إلى ضفّة أخرى تعوّض من خلالها الوقوع في مطبّ النقل حيث أظهرت ولو من خلالها علاقتها بيوسف المبنية على انصهار فكريّ وتعريفات مغايرة لفكرة اللون والفن والثقافة وصولاً إلى تنافر أيديولوجيّ.. هذا النزاع هو واحد من عناصر حركة النص وانفتاحه على شخصيّات أخرى، ونادرًا ما يستطيع أي كاتب اللجوء إلى متنفس وهو منهمك في بناء الرؤية التي غطّت كل المجالات لتصل إلى رؤيتها الكاملة إلى العالم سواء في هذا النص أو أن تربطه في الأعمال الكاملة ككل. رواية أن تعشق الحياة هي دعوة لترتيب أفكارنا وكتابة نظرتنا الواعية لعالم كلّ تفاصيله النفسية والاجتماعية والاقتصاديّة والسياسيّة تشكّل عقدًا يطوّق رقابنا... «أن تعشق الحياة» هي نصّ السلام والرغبة في البقاء والاستمرار ضدّ الموت.. هي تجوّل الكاتبة في حقل التفاصيل. نبيل مملوك