قبل عام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، يواجه جو بايدن خطر فقدان دعم العرب والمسلمين بسبب سياسته في الشرق الأوسط، ما قد يُترجم في ترجيح كفّة الجمهوريين في ولايات متأرجحة. ويعتقد بعض الناخبين، أنّ الولاياتالمتحدة لا تمارس ضغوطاً كافية على حليفتها إسرائيل من أجل الحد من عدد القتلى بين السكان المدنيين في قطاع غزة. وتقول مصفّفة الشعر الأميركية الفلسطينية ليندا شاويش إنّ الأمر لا يحتاج إلى الكثير من التفكير لوصف تأييد جو بايدن لإسرائيل التي تقصف قطاع غزة بشكل متواصل، فهي ترى أن الديموقراطيين إنما "يؤيدون إبادة جماعية". صوتت ليندا شاويش للحزب الديموقراطي، لكنّها "لن تفعل ذلك بالتأكيد" في الانتخابات الرئاسية للعام 2024. وتقول المرأة التي تبلغ من العمر 45 عاماً من أمام متجر شهير في فالز تشرش في فرجينيا في الشرق، "إذا كان ترمب هو المرشح الجمهوري، فربما لن أصوّت على الإطلاق". منذ بداية الحرب، استشهد أكثر من 9 آلاف شخص بينهم 3760 طفلاً في القصف الإسرائيلي، كذلك قتل في إسرائيل قرابة 1400 شخص وفق الجيش، معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول من هجوم عناصر حماس. ويرى وليد شهيد المتحدث السابق باسم السناتور اليساري بيرني ساندرز، أنّ "شرخًا عميقًا حدث في قلوب العديد من الديموقراطيين الأميركيين المسلمين والعرب". ويقول الناشط الديموقراطي "هم يرون أنّ الرئيس لا يساوي بين حياة الفلسطينيين وحياة الإسرائيليين". وفقاً لتعداد غير رسمي، فإنّ الجالية المسلمة تمثّل 1,3 في المئة فقط من السكان الأميركيين، بوجود 4,5 ملايين مسلم. ولكن الانتخابات "ستقرّرها بضع مئات الآلاف من الأصوات في عدد قليل من الولايات"، وفقاً لشهيد. وبالتالي، فإنّ خسارة أصوات المسلمين في ميشيغان وفيرجينيا وجورجيا وأريزونا، الولايات الأربع التي فاز فيها بايدن في العام 2020، قد تكلّفه غالياً العام المقبل. وتقول هاديا باري (52 عاماً)، إنّ المسلمين "مهمّشون" منذ 11 سبتمبر 2001، ولن يؤدي هذا الدعم لإسرائيل إلا إلى "عزلهم وإبعادهم بشكل أكبر". إضافة إلى ذلك، استاءت هذه الأميركية من أصل صومالي التي تنتخب الحزب الديموقراطي منذ 30 عاماً، بموقف الحزب، وتقول "لن أصوّت لا للديموقراطيين ولا للجمهوريين". في دار الهجرة، وهو من المساجد الرئيسة في شمال فيرجينيا، يقول الإمام نعيم بيك إنّ الجالية المسلمة كانت تعلّق آمالاً كبيرة على جو بايدن بعد ولاية دونالد ترمب المتعِبة والتي شهدت فرض قيود على السفر إلى الولاياتالمتحدة من عدة دول إسلامية. ويقول "فيما يتعلّق بقضايا العدالة العرقية والاقتصادية، نشعر أنّ الديموقراطيين لديهم الكثير ليقدّموه". وبحسب استطلاع أجراه مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية، فإنّ 69 في المئة من المسلمين صوّتوا لجو بايدن في العام 2020، مقابل 17 في المئة فقط صوّتوا لدونالد ترمب. غير أنّ الصور المروّعة من غزة تسبّبت بالصدمة، وفق إمام المسجد الذي يقول "في الوقت الحالي، لن أصوّت للرئيس بايدن". ويقول خالد مكي، المولود في مخيم للاجئين في غزة: إنّه غير قادر على التواصل مع عدد من أفراد عائلته بسبب قطع الاتصالات من قبل إسرائيل. ويضيف رجل الأعمال الذي يبلغ من العمر 52 عاماً ويدير مطعماً في فالز تشرش، "نحب الولاياتالمتحدة، إنها بلدنا، ولكن لا يمكن تلطيخ الأيدي بالدماء، ليس باسمي". إضافة إلى ذلك، تفاقمت خيبة أمل بعض هؤلاء الناخبين بسبب ردود أفعال أخرى من جو بايدن. فقد استغرق الرئيس خمسة أيام للاتصال بعائلة طفل أميركي من أصل فلسطيني قُتل طعناً في شيكاغو. كما شكّك علناً بعدد القتلى الذي قدّمته وزارة الصحة الفسطينية، على الرغم من أنّ المنظمات الدولية تعتبرها مصدراً موثوقاً. ويقول مهدي براي وهو مسلم أميركي من أصل إفريقي يبلغ من العمر 72 عاماً، إنّ "الأفعال أعلى صوتاً من الكلمات". ويشير براي إلى أنّ تضامنه مع الفلسطينيين ناتج من تجربته في ظل الفصل العنصري في جنوبالولاياتالمتحدة. ولكنه يؤكّد أنّه ما زال بإمكان بايدن استعادة صوته، إذا انضمّ إلى الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار في غزة. من جهة أخرى توصف انتخابات الرئاسة الأميركية على أنها مضمار حواجز يمتد على 50 ولاية، لكن العقبات في طريق دونالد ترمب العام القادم تبدو صعبة على وجه الخصوص إذ تتقاطع مواعيد جلسات محاكمته مع التزامات انتخابية ضمن جدول أعماله للعام 2024. وفي إطار سعيه للدفاع عن نفسه أمام الرأي العام، سينتقل ترمب الأوفر حظا للفوز بتسمية الحزب الجمهوري من التجمعات الانتخابية إلى جلسات الاستماع في المحاكم، حيث يواجه 91 تهمة جنائية مرفوعة في عدة اختصاصات قضائية. وُجّهت اتهامات لقطب العقارات المقيم في فلوريدا أربع مرّات عام 2023 وتشمل دفع أموال لإسكات نجمة أفلام إباحية وسوء التعامل مع أسرار متعلّقة بالأمن القومي ومحاولة سرقة انتخابات 2020 مرّتين. وهذه ليست إلا القضايا الجنائية. يواجه ترمب (77 عاما) محاكمة في نيويورك تتعلّق بالاحتيال المدني فيما ما زالت الدعوى جارية في قضة كاتبة اتُّهم بالاعتداء عليها جنسيا. وقبل عام على موعد الانتخابات، تبدو الحملة بالفعل "مثيرة للانقسامات ومخيفة وتهدد الديموقراطية"، بحسب الخبير السياسي لاري ساباتو، في وقت يندد ترمب علنا بالنظام القضائي. يحشد ترمب يوميا قاعدته الموالية له ضد ما يسميها "مطاردة شعواء" في رسائل عبر البريد الإلكتروني، جامعا تبرّعات فيما يتّهم المدعين والقضاة بارتكاب انتهاكات. تتحدّث التبرّعات عن نفسها إذ جمع أربعة ملايين دولار في غضون 24 ساعة من توجيه أول اتهام له وسبعة ملايين دولار مباشرة بعد الثاني وثلاثة ملايين دولار خلال أسبوع من نشر صورته الجنائية عقب توقيفه لفترة وجيزة وإطلاق سراحه لاحقا بكفالة في جورجيا. ويصف ترمب نفسه بأنه ملياردير لكن المكاسب التي يحققها ما زالت كبيرة، نظرا للمبالغ الهائلة التي ينفقها المرشحون من أجل الوصول إلى السلطة في الولاياتالمتحدة. ويرجّح بأن يزداد الإنفاق بشكل كبير اعتبارا من يناير، فيما يستعد ترمب لعام لا شبيه له بالنسبة لأي مرشّح في التاريخ. ينطلق المهرجان في منتصف يناير، من خلال دعوى التشهير التي رفعتها ضده الكاتبة في نيويورك إي. جين كارول التي دانته هيئة محلفين مدنية بالاعتداء الجنسي عليها. في الأسبوع نفسه، تنظّم ولاية آيوا أول انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري والتي ستشكّل أول اختبار لترمب في مسعاه للعودة إلى البيت الأبيض. يتنافس معه ثمانية جمهوريين للفوز بتشريح الحزب لانتخابات 2024 الرئاسية. سينخفض هذا العدد على الأرجح بحلول العام الجديد، فعلى سبيل المثال، انسحب نائب ترمب عندما كان رئيسا مايك بنس أواخر أكتوبر. وبجميع الأحوال، لا داعي للقلق بالنسبة لترمب إذ أن أقرب منافس له -حاكم فلوريدا رون ديسانتيس- متخلّف عنه ب45 نقطة في الاستطلاعات. وبعد ستة أسابيع على انتخابات آيوا، سيُحاكم ترمب في واشنطن بتهم التآمر لسرقة انتخابات 2020، عشية "الثلاثاء الكبير" وهو اليوم الذي يدلي فيه الناخبون الجمهوريون في عدد كبير من الولايات بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب. وأما المحاكمة في قضية دفع الأموال لإسكات ممثلة الأفلام الإباحية في نيويورك فمن المقرر أن تجري مارس، بينما ستجري المحاكمة المرتبطة بقضية الوثائق السريّة في فلوريدا في مايو. يرجّح أن تتأجّل المحاكمتان لفترات طويلة لكن ما زال من المرجّح بأن يقضي ترمب معظم وقته عام 2024 وهو يحاول التنقل بين التجمعات الانتخابية وفعاليات جمع الأموال من جهة والمحاكم من جهة أخرى. ونظرا لمهارته في الاستعراض، سيسعى نجم تلفزيون الواقع بلا شك للاستفادة من هذا الوضع بأقصى قدر ممكن. وقالت المحللة السياسية ويندي شيلر لفرانس برس "لطالما استفاد ترمب من طائرته الخاصة، ولن يختلف الأمر هذه المرة". وأضافت "سيسافر من مكان لآخر على متنها مع بروز اسمه بشكل واضح عليها. ستتركز جميع الأنظار عليه". يأمل ترمب بأن تتم تسميته مرشحا رسميا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو. وستتم تسمية الرئيس جو بايدن كمنافسه بعد شهر، ما لم يطرأ تغيّر كبير. وسيسعى الرئيس الحالي لتصوير إدارته على أنها رصينة ومهنية، على عكس الفوضى التي لطالما وصف بها حكم معارضه. لكن بايدن (80 عاما) بدا متحفظا حيال استغلال المشكلات القانونية التي يواجهها ترمب، خوفا من أن يبدو وكأنه بتدخل في القضاء. وقالت شيلر إن "بايدن سيستخدم على الأرجح المكتب البيضاوي في حملته الانتخابية نظرا إلى أنه يذكّر الناخبين بأنه المسؤول عن الحكومة الفدرالية وبأنه يقضي وقته في أداء عمله وليس في قاعة المحكمة". وبغض النظر عن المسار الذي ستمضي فيه الانتخابات، هناك أمر واحد مؤكد وهو أن حملة 2024 ستكون تاريخية إذ يتواجه فيها متّهم بمجموعة من القضايا من جهة، ورئيس ثمانيني من جهة أخرى. دونالد ترمب