بعد شهر على حرب غزة، تبدو إنجازات الدبلوماسية الأميركية ضئيلة، لكن المؤيّدين والمعارضين يتفقون على أن الأمر متعمّد ولو جزئيا. أصرّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يستكمل جولة مكثّفة مرتبطة بالأزمة على أن جميع القادة الذين تحدث إليهم طالبوا ب"دور قيادي أميركي". وقال بلينكن للصحافيين في أنقرة الاثنين "كل دولة أتحدّث معها تتطلع إلى أن نلعب دورا قياديا من خلال دبلوماسيتنا لنحاول تحقيق تقدّم في مختلف جوانب الأزمة هذه". لكن قادة البلدان العربية والعديد من الدول الأخرى دعوا إلى وقف لإطلاق النار، وهي فكرة لم تدعمها الولاياتالمتحدة التي تشدد على حق إسرائيل في الرد. تقصف إسرائيل قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر عندما نفّذ عناصر حماس هجوما مباغتا على الدولة العبرية وقتلوا 1400 شخص معظمهم مدنيون، بحسب مسؤولين إسرائيليين. وتفيد وزارة الصحة بأن أكثر من 10 آلاف شخص استشهدوا في الضربات الإسرائيلية مذاك، بينهم أكثر من 4000 طفل. لكن بلينكن دعا في جولته الأخيرة إلى "هدنات إنسانية" للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة الفقير الخاضع لحصار إسرائيلي منذ العام 2007. ولم يؤيّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فكرة بلينكن لكن البيت الأبيض أفاد بأن الرئيس جو بايدن طرح مجددا تطبيق "هدنات تكتيكية" خلال اتصال هاتفي الاثنين. وسلّطت الولاياتالمتحدة الضوء على بعض التقدّم الذي تحقق في ما يتعلّق بالتخفيف من معناة سكان غزة، بما في ذلك عبر إقناع إسرائيل بإعادة المياه والكهرباء جزئيا. كما تفاوض دبلوماسيون أميركيون على إعادة فتح معبر رفح مع مصر، رغم أن عدد الشاحنات التي عبرت (476) هو أقل من العدد الذي عبر كل يوم قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. تمثّل أحد أبرز أهداف بلينكن بمنع اتساع رقعة الحرب لتشمل جبهات أخرى، لا سيما لبنان. وأفاد الدبلوماسي الأميركي المخضرم جيمس جيفري الذي قاد جهود مكافحة تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب بأن بلينكن بدأ جولته بمهمتين تتمثلان أولا بمنع التصعيد من قبل القوى الموالية لإيران وثانيا بتهدئة الرأي العام. وقال جيفري الذي يدير حاليا برنامج الشرق الأوسط لدى "مركز ويلسون" "لذا يمكنني القول بأن بلينكن حقق هدفه خلال هذه الزيارة". وأشار إلى أن الرد الإسرائيلي العنيف في غزة شكّل بحد ذاته رادعا لحزب الله وإيران، موجّها رسالة مفادها "سنقوم بالأمر ذاته وأكثر تجاهكم" إذا حصل تصعيد. لكنه لفت إلى أن تكتيكات إسرائيل عقّدت الهدف الأميركي الثاني القائم على التعامل مع الرأي العام إذ يحاول بلينكن "دفع الإسرائيليين لإفساح المجال لأمور أخرى لتكون في نشرات الأخبار". وتابع أن بلينكن أراد "مساعدة الدول العربية في ما يتعلق بسكانها وبصراحة مساعدة بايدن داخليا، عبر التشديد على أن الولاياتالمتحدة ملتزمة تجنّب سقوط ضحايا مدنيين والقيام بدور ريادي في ما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية لسكان غزة". وأكد "هذه المسألة صعبة، لأن الإسرائيليين بصراحة لا يساعدون في هذا الصدد كما يجب". سخرت المستشارة القانونية السابقة للمفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل ديانا بطو من فشل بلينكن في التوصل حتى إلى هدنات إنسانية، رغم حجم اعتماد إسرائيل على واشنطن. وقالت "إذا كان بلينكن يسافر على متن رحلات تجارية، فإنه يكسب الكثير من الأميال وهذا كل ما هنالك". وتابعت "إنه يلعب هذه اللعبة القائمة على محاولة إرضاء الدول العربية وباقي العالم، مع إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر في الوقت ذاته". وأضافت "القول إن الولاياتالمتحدة لا رأي لديها في مليارات الدولارات التي تقدّمها هو تقليل من أهمية الدور الأميركي". أعرب بلينكن وبايدن عن دعمهما لإسرائيل رغم انتقادهما حكومة نتانياهو اليمينية المتشددة قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فيما دعم النواب الديموقراطيون والجمهوريون على حد سواء زيادة المساعدات بعد هجمات حماس. وذكر مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان بأن الولاياتالمتحدة لطالما واجهت انتقادات من الدول العربية، وهو أمر يرى أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون بأنه غير قابل للتغيير. وتابع أن "الأمر يبدو بالنسبة إليّ كدبلوماسية تقليدية. إنها دائما أبطأ وجزئية أكثر مما يُفضَّل بأن تكون عليه". من جهة أخرى أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أنّ غواصة أميركية من طراز أوهايو تعمل بالطاقة النووية، موجودة في الشرق الأوسط للمساعدة في منع تفاقم الحرب واتساعها نطاقها. ونشرت القيادة المركزية الأميركية صورة للغواصة في اليوم السابق على منصة "إكس"، حيث ظهرت وهي تعبر قناة السويس المصرية. وقال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر للصحافيين، إنّها "الآن في منطقة عمليات الأسطول الخامس"، في إشارة إلى المنطقة التي تشمل الخليج والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي. وأضاف "ما تفعله هذه (الغواصة)... هو تقديم دعم لجهود الردع التي نقوم بها في المنطقة"، من دون إضافة مزيد من التفاصيل. وبعض الغواصات من طراز أوهايو مزود صواريخ بالستية ذات رؤوس نووية، في حين أنّ البعض الآخر مجهّز لحمل أكثر من 150 صاروخا من نوع "توماهوك كروز". ولم يحدّد رايدر النوع الموجود حالياً في الشرق الأوسط، غير أنّ صواريخ كروز ستكون ذات فائدة فورية بشكل أكبر، في حال تصعيد النزاع . وعزّزت الولاياتالمتحدة قوّاتها في المنطقة في محاولة لمنع الصراع من التوسع، ونشرت مجموعتين من حاملات الطائرات وغيرها من الأصول.