خلال حرب غزة عام 2008-2009 نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً حول استراتيجية العلاقات العامة الإسرائيلية أو ما يعرف ب»هسبرة» والتي تعني باللغة العبرية التفسير أو التوضيح، وباختصار هو مشروع لتنظيف سمعة إسرائيل عالمياً، حيث تعمل هسبرة على صياغة الخطط ولعب الأدوار لضمان قيام المسؤولين الحكوميين بتقديم رسالة واضحة وموحدة. إلى الصحافة العالمية، بالإضافة إلى التنسيق المباشر وغير المباشر مع وسائل الإعلام لضمان بث رسائل إيجابية حول ما تقوم به إسرائيل، ويشير التقرير إلى تقييم قامت به وزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك لثماني ساعات من البث في وسائل الإعلام الدولية حققت من خلالها إسرائيل مساحة أكبر للتعبير عن موقفها على حساب الفلسطينيين، وهو ما يكشف كمية الدعم المجحف الذي تحصل عليه من قبل الصحافة العالمية على حساب غريمها، حيث مُنح ممثلو إسرائيل 58 دقيقة من البث بينما حصل الفلسطينيون على 19 دقيقة فقط. وفي حديثه لصحيفة «جيروزاليم بوست» قال السفير الإسرائيلي السابق لدى الأممالمتحدة داني غيلرمان: «لا أعرف إلى متى سيستمر ذلك، لكن في هذه اللحظة تحظى إسرائيل بقدر كبير من التفاهم والدعم، وحتى الموافقة، من العديد من الدول». كان ذلك عام 2009 أي قبل 14 عاماً ومن هناك وحتى الآن تغيرت قواعد اللعبة الإعلامية كثيراً، لم تعد الخيوط الإسرائيلية تحكم قبضتها على الإعلام، أو بالأحرى لم يعد الإعلام هو من يقود الرأي العام العالمي، فقد برزت منصات التواصل الاجتماعي كلاعب كبير غيّر المعادلة ما بين وسيلة البث والمتلقي، ولذلك كان التعاطي مع الهجوم الأخير على غزة إعلامياً لا يشبه التغطيات السابقة؛ فعلى مستوى منصات التواصل الاجتماعي كان هناك صعود كبير لأصوات المؤثرين الذين يساندون القضية الفلسطينية، رغم التضييق والتكميم الذي يتعرضون له من بعض المنصات سواء لأن تلك المنصات تؤثر عليها «الهسبرة» الإسرائيلية والتي بالمناسبة من ضمن استراتيجيتها أن توسع نفوذها في وسائل التواصل، أو لأن مؤسسي تلك المنصات وملاكها يدعمون المشروع الصهيوني. وحتى الإعلام التقليدي وسع القيود قليلاً وأفسح المجال لبعض الأصوات التي تنقل وجهة النظر العربية في قضية فلسطين، وربما يكون أبرز من تصدروا لذلك الإعلامي البريطاني الشهير بيرز مورغان الذي استضاف عدداً من الداعمين للقضية، بل إنه يفاخر بأن المقابلة الأكثر مشاهدة في تاريخ برنامجه كانت مع باسم يوسف. وكان النقاش فيها يدور حول دعم القضية الفلسطينية، ونظراً لنجاح تلك الحلقة من حيث عدد المشاهدات، قرر بيرز مورغان استضافة يوسف مرة أخرى، ولمدة ساعتين كشف خلالها الضيف الكثير من الحقائق حول القضية. وأخيراً، لعبة الإعلام تغيرت كثيراً وإذا كان العرب قد فشلوا سابقاً في تمرير أجنداتهم وعرض قضاياهم بشكل عادل فإن ما حدث خلال الأحداث الأخيرة يشير لانفراجة إيجابية كبيرة في الأفق الإعلامي العالمي الذي عانى من الاحتكار على مر تاريخه.