تستحوذ الرياضة على مكانة واسعة على الساحة العالمية الاقتصادية ويعزز ذلك ويؤكده متابعة الملايين لجديد أحداثها المختلفة من مسابقات وألعاب وبطولات على المستوى المحلي للدول والقاري والعالمي وأصبحت الرياضة صناعة عالمية ومصدرا ماليا واقتصاديا كبيرا للدخل في كثير من دول العالم، وتتسابق الدول لاستضافة الأحداث والبطولات الدولية ومنها تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم أو الألعاب الأولمبية وغيرها من الأحداث الرياضية المختلفة، ويأتي إعلان تنظيم السعودية للمونديال العالمي لكرة القدم 2034م تأكيدا على التطور الكبير والنقلة التاريخية والنوعية في مسيرة الرياضة السعودية، وسط دعم لا محدود من حكومتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز واهتمام مباشر من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ملهم وعراب رؤية 2030، وبالتالي كل المعطيات تؤكد بإقامة نسخة استثنائية من هذا الحدث العالمي الكبير، خاصة وأن تطوير الرياضة يعد أحد أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 والتي يأتي من أبرز مكتسباتها تعزيز الوعي بأهمية الرياضة والوصول برياضتنا للعالمية. ويرافق هذه التظاهرة العالمية عمل جبار من خلال تهيئة البنية التحتية وبناء المنشآت الرياضية وتجهيزها واستثمار تسويق المنتخبات والفرق الرياضية والأندية المحترفة وتسويق اللاعبين وغير ذلك ليكون الدافع الأساسي لكل ذلك هو الاقتصاد الرياضي. خاصة وأن الرياضة تعد من أكبر المحركات الاقتصادية في العالم بعد أن تحولت معظم الرياضات من مجرد نشاط يمارسه الهواة وتستمتع به الجماهير إلى صناعة تقوم على أسس علمية متخصصة في الاستثمار والتسويق والترويج الإعلامي والاحتراف الرياضي، ويشمل ذلك تطور مستوى المنتخبات الوطنية والأندية واللاعبين وتنشيط وانتعاش سوق الشركات الرياضية، وتفيد الأرقام والبحوث وفقا لتقارير الهيئات والمنظمات الرياضية والاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) واللجنة الأولمبية بأن مؤشر الأرقام للمصروفات والإيرادات على هذا القطاع الحيوي بارتفاع وتقدر بالمليارات، وتنفق الشركات المختلفةالمرتبطة بالرياضة مايزيد على 38,8 مليار دولار على الدعاية والإعلان في الأحداث الرياضية، بالإضافة إلى الملايين التي تأتي عبر الرعايات والحضور الجماهيري. وقد أولت المملكة الاستثمار في القطاع الرياضي أهمية قصوى بعد أن بدأت تنحو فعليا في هذا المنحى ومن خلال الاهتمام بالاستثمار والتسويق الرياضي بشكل خاص. كما أن الدراسات الحديثة التي أعدتها المؤسسات الكبرى للاستشارات الإدارية العالمية أن القطاع الرياضي يشهد توسعا عالميا بمعدل يفوق الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول العالم، بعد أن شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعا في الإيرادات الرياضية وذلك في الاسواق الرئيسة للرياضة في كل من مثل المملكة المتحدة والبرازيل والولايات المتحدة وفرنسا، والمتابع لواقع الاقتصاد الرياضي يجد أن هنالك استثمار هائل في المجال الرياضي والذي يسهم بزيادة فرص التوظيف وارتفاع متزايد عالميا للمستهلك النهائي (الجمهور) لهذه الصناعة. ويعد المونديال فرصة ذهبية لتنشيط وتطوير التجربة التسويقية السعودية في القطاع الرياضي وبالتالي تنوع مجالات الاستثمار إضافة إلى عائدات الإعلان عن تذاكر الدخول للمباريات، وكذلك الدعاية والإعلان والرعاية، وحقوق البث التلفزيوني. ويرافق ذلك تهيئة بيئة المنشآت الرياضية من ملاعب ومرافق ومركز خدمات ذكية وبتقنيات تكنولوجية عالية عبر تجربة تبهر جمهور المونديال القادم من كل أرجاء العالم فضلا عن ما تتمتع به بلادنا من بنية تحتية عالمية من المطارات والميترو والطرقات والفنادق وشبكة نقل عصرية جوا وبرا وبحرا، وأماكن التسوق والترفيه ومساحات خضراء تعكس تحقيق مؤشرات الأنسنة وجودة الحياة، وكذلك توفر المستشفيات والمراكز العلاجية المتقدمة والخدمات الأخرى المرتبطة بها، وما يصاحب ذلك من تسويق المنتجات والمستلزمات الرياضية المتنوعة بالإضافة إلى الهدايا التذكارية والعروض الترويجية المتنوعة والمواكبة لهذا الحدث. كل ما سبق يعمل على تحقيق عائد ملائم وربحية مناسبة مع المحافظة على قيمة الأصول وبالتالي استمرارية الدخل وزيادته وتنميته وبما يحقق الاستدامة. وتشير التقارير العالمية لخبراء الاستثمار الرياضي العالمي إلى أن هنالك عشرة أحداث رياضية في العالم تستحق الاستثمار وهذه الأحداث الرياضية الكبرى يأتي في مقدمتها مونديال كأس العالم لكرة القدم، حيث تتسابق الجهات الراعية من شركات عالمية إلى الاستفادة من الرعاية من خلال زيادة الوعي بالعلامة التجارية والقدرة على لفت نظر الجماهير الرياضية مما يؤدي إلى وتوسيع قاعدة العملاء للاسم التجاري وتطوير ولاء العملاء لها والدعاية المجانية وبأقل تكلفة من الإعلانات الأخرى وأكثر وصولا وقبولا لدى الجماهير الرياضية عبر ترويج الاسم التجاري (الماركة التجارية) للراعي وزيادة المبيعات. ومما سبق يتضح لنا بأن الاستثمار في الرياضة من خلال استضافة الأحداث العالمية الكبرى يتمثل في توظيف المال في جميع أنشطة الرياضة الوطنية بما يعود بالمنفعة الاقتصادية عليها وكما يشير خبراء علم التسويق بأن المنتج الرياضي منتج غير مادي يجلب المتعة والفرح ينتج ويستهلك في نفس المكان. ختاما تنظيم المونديال العالمي يسهم في تصدر المملكة قائمة دول العالم في صناعة الرياضة الأمر الذي يؤكد أن ما يتم صرفه للتهيئة والتجهيز لاستضافة هذه الحدث العالمي سيعود حتما بالفائدة والأرباح المجزية لاحقا، والدليل عندما ننظر إلى الدول التي حظيت بتنظيم المونديال للنسخ الماضية قد نالت نصيبا وافرا من المكتسبات عبر الإيرادات فضلا على أن الاستثمار في القوة الناعمة يعد أسهل الطرق للتعريف بالمملكة لتكون وجهة سياحية عالمية. د. فهد الجهني