إلى رفيقة الجامعة، الرسائل ليست ورقاً بل روح تتحدث معك، فأنت حين تقرأ تتخيل كاتبها، وكيف جلس، وكيف أمسك القلم، وتستعين بعقلك في صنع نظرة خاصة، وابتسامة تندرج من هذه الجملة، ودمعة من سطرها الأخير. ومع كوننا في زمن توفرت فيه كل وسائل التواصل؛ إلا أنه ما زال هناك ما يُقال للفرد وللمجتمع وللحياة أجمع كاعتذار وتساؤل وأمل، كرغبة في إيصال صوت ومحاولة لعناق طويل. لذا خصصت "الرياض" مساحة للرسائل الأدبية عبر سلسلة بعنوان "علمتني الحياة"، نقرأ منهم تجاربهم ونتلهف لسماع قصصهم ونتساءل معهم ونتعلم من أحرفهم. عجزٌ يطوقني! أكتب إليكِ رفيقة الجامعة في قسم الكيمياء: خديجة الزبيدي من هنا من حيث تسقط الشمس في غياهب هذا الغياب المهول، الذي لا نعرف إلا أنه يمكَنها من شروق جديد له إرهاصته التي تبدو رتيبة. من هنا تعلّمت أن لكل قصة نهاية، ولكل نهاية بداية جديدة تمهَد لقيامة أهوالها على مقاس الجرم المرتكب، والنتائج المترتبة عليه. خطيئتي الوحيدة التي جاءت بسيل من الخطايا، أنني أمام الغروب أجّلت مرارًا الشعور بالخذلان تجاهه، والحديث عنه، والتعاطف مع ذاتي، لصالح الحصول على مكاسب كنت أظنها نافعة لصقل الشخصية، وأخرى تتعلَق بالمصلحة الكتابيَة. كان إيماني بقدرتي على الصفح، وتجاوز الخذل قوية جدًا ورقعتها واسعة جدًا. والآن تعبت، بل ضعفت، لذا آليت وضع هذا الخذلان أمامي لأعترف به وأكيل له الشتائم التي أعرفها، والتي لا أعرفها لتتنفّس غصص في الروح عالقة، لم تجد منافذها للبوح والوجع، وأتنفّس معها. ولا أخفيكِ سرًا ما إن شرعت بهذه المكاشفة، حتى شعرت بعجز طوقني، يبدو لفرط ما أسرفت في كتابة الكناية والالتفاف حول الرمز، نسيت الكلام عن الألم بشكل صريح وواضح فهل فاتني الوقت إلى هذا الحد؟ لم أنتبه! هل قطار الكلمات الذي كنت أظن أنني أقوده، وأمضي به لأقبض ثمن فرحة أزفها للسطور، أنا من دفع ثمنه من رصيد صوتي المعلَب في حنجرتي؟ صدقيني.. لا أستطيع تقدير حجم خساراتي الفعلية، ولكني أستطيع أن أجزم أن للكلمات في سجن الصوت قيامة تتمكن بعدها من التجسد في صورة إنسان له أكثر من لسان، لتُطالب بحقها في الإفصاح والبيان، وتشديد العقوبة على المهمل لكينونتها.