مع بدء الغارات الجوية الإسرائيلية الوحشية ضد قطاع غزة، المستمرة منذ نحو أسبوعين والدبلوماسية السعودية تتحرك على مختلف الساحات الإقليمية والدولية؛ لوقف هذا العدوان ووقف المجازر البشعة بحق المدنيين الفلسطينيين الذين يرتفع عدد شهدائهم كل يوم مع الغارات الإسرائيلية. منذ البداية، كان موقف قيادة المملكة واضحًا وثابتًا، كما هو دائمًا، بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي الرامي إلى قتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين، أطفالاً ونساءً ورجالاً، وتهجير ما تبقّى منهم وكل ذلك بزعم القضاء على حركة حماس، التي وجّه مقاتلوها في السابع من الشهر الجاري ضربة لهيبة الجيش الإسرائيلي، الذي خدع العالم بأنه جيش لا يقهر. وقد أكدت المملكة لكل العواصم باتصالات سمو ولي العهد -حفظه الله- ولقاءات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، أن أصل المشكلة في الشرق الأوسط هو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومصادرة أراضيهم وإطلاق المستوطنين المسلحين المنفلتين، الذين يعيثون في الأرض فسادًا، وقتلاً في القرى والمدن الفلسطينية، وتدنيس حرمة المسجد الأقصى، الذي يُعدُّ الجوهرة الثالثة بالنسبة للمسلمين بعد الحرمين الشريفين، اللذين شرّف الله أرض المملكة بوجودهما فيها. طوال 75 عامًا منذ النكبة الفلسطينية في عام 1948، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مدعومة من الحركة الصهيونية ونفوذها السياسي والمالي والإعلامي، والحكومات الغربية تتجاهل كل القرارات والمعاهدات والمبادرات الداعية إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية، ومنها قرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية. في عدوانها الحالي على قطاع غزة، غيّرت الطائرات الإسرائيلية معالم قطاع غزة المحاصر منذ 16 عامًا، من خلال تسوية أحياء كاملة بالأرض، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها بعد حرمانهم من أبسط متطلبات الحياة. ولم تسلم من هذه الوحشية دور العبادة، والمستشفيات التي لجأ إليها آلاف المدنيين الهاربين من الموت. وما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية لا يعبّر إلا نزعة متعطشة للقتل وسفك الدماء، والإصرار على رفض الآخر. ورافق كل هذا التدمير والانتقام، حملة تضليل منظمة وتشويه للحقائق وتضليل للرأي العام العالمي، واستخدام وسائل الإعلام المملوكة لشركات ومليونيرات صهيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي لبث صورة مشوهة للشعب الفلسطيني، لتسويغ إبادته بلا رحمة. ولأنهم كما وصفهم وزير الحرب الإسرائيلي، بأنهم "يقطعون رؤوس الأطفال"، وهي الكذبة التي روجت لها البروباغندا الصهيونية، فإن هؤلاء الفلسطينيين برأيه لا حق لهم في الحياة، ولهذا قطعت عنهم إسرائيل الوقود والماء والغذاء والمساعدات الطبية، وقصف معبر رفح، ورفض دخول المساعدات لشعب يتعرض للفناء والإفناء وبمساعدة من الغرب، الذي أفشل مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، والذي لا يحمي أي أمن عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية الإسلامية. وكأن قتل العشرات من المدنيين الفلسطينيين كل يوم، وإصابة المئآت منهم ودفن آخرين تحت الركام، لا يُعدُّ مجزرة وجريمة حرب وانتهاكًا للقانون الدولي والإنساني، فقد قصفت إسرائيل مساء الثلاثاء مستشفى المعمداني في غزة، وقتلت أكثر من 500 مدني دفعة واحدة، ومزقت أجسادهم أشلاءً، لأن إدارة المستشفى رفضت أوامر الإخلاء التي وجهتها إسرائيل للمستشفيات في غزة، ما يحكم على مئات المرضى بالموت المحقق. لقد بات واضحًا هذا الإصفاف الغربي إلى جانب إسرائيل، من خلال إرسال البوارج الحربية إلى المياه القريبة من شواطئ فلسطينالمحتلة، ومن خلال هذا التسابق للحج إلى تل أبيب، وتشجيعها على الاستمرار في عدوانها، فقد ذهب إليها المستشار الألماني والرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني، وكذلك الروماني، ومن المتوقع أن يأتي الرئيس الفرنسي، لتوفير غطاء سياسي، لتأكيد التضامن والبحث عن مكاسب انتخابية. كل هذه المجازر المترافقة مع الإصرار على رفض دخول المساعدات الإنسانية والطبية، دفعت المملكة إلى رفع وتيرة مساعيها للضغط على إسرائيل؛ من أجل وقف عدوانها والتخفيف من معاناته، التي لا يحتملها أي ضمير حي في العالم، وكان لقاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ضمن هذا المسعى، وأعلنت المملكة رفضها للعدوان الإسرائيلي، ودعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني. وتعزز هذا الموقف من خلال القرارات الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي، والمواقف المنصفة من كثير من دول العالم، ومنها روسيا والصين، وكذلك من خلال الوقفات التضامنية، التي خرجت في البلاد العربية والعالمية المنددة بالعدوان والمؤيدة للشعب الفلسطيني. لقد جاء انعقاد المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة، ليقول للعالم بأن العرب والمسلمين لا يمكن أن يصموا آذانهم ويغمضوا أعينهم عن صرخات الأطفال، وانتحاب الثكالى والأرامل ونداءات الشعب الفلسطيني لنجدتهم. المحور الأساسي الذي أكد عليه وزير خارجيتنا في افتتاح الاجتماع، هو وجوب وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ للحيلولة دون توسعها والعمل على تحقيق سلام عادل ودائم وحل سلمي للقضية الفلسطينية بما يكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وهذا هو المبدأ الثابت للسياسة السعودية الذي أكدته وأثنت عليه كلمات الوفود المشاركة في الاجتماع.مع انطلاق الاجتماع الإسلامي، كان الرئيس الأمريكي بايدن يقول للإسرائيلييين أنه هناك لدعمهم، وليقول للعالم بأن الولاياتالمتحدة تقف خلف إسرائيل وبأنهم ليسوا وحدهم، وقال بايدن: بأنه يصدق الرواية الإسرائيلية بأن الطرف الآخر هم الذين قتلوا الفلسطينيين في مستشفى المعمداني، تمامًا مثلما صدّق رواية "قطع رؤوس الأطفال اليهود" التي تراجع عنها بعد ذلك، حزينًا بدا وهو يلتقي عائلات ضحايا هجمات الفصائل الفلسطينية، لكن صرخات أطفال غزة لم تصل إليه.لكن جاء الصوت عاليًا من المملكة العربية السعودية، وقيادتها وشعبها وصوت ملياري مسلم في 57 دولة في العالم بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم ولن يتركوا لتبيدهم آلة الحرب الإسرائيلية قتلاً وتشريدًا وجوعًا حتى الموت أمام هذا العالم الغربي المنافق ومعاييره المزدوجة. لقد كانت رسالة اجتماع جدة للشركاء الغربيين المتورطين في جريمة إبادة الشعب الفلسطيني، وتصفية قضيته هي أن أهلنا في فلسطين لا يريدون خبزكم المغموس بالدم، فنحن مستعدون لتقاسم رغيف الخبز معهم، لكن ما يعنينا الآن هو أن تلجموا هذا الوحش المنفلت، ووقف جرائمه ضد الشعب الفلسطيني القابض على الجمر قبل أن يغرقكم دم هذا الشعب ويرميكم في مزابل التاريخ! .