تعد المتاحف إحدى أبرز النوافذ الثقافية للتعريف بالدول باعتبارها المعالم الأعلى جذباً وإقبالاً للزوار كونها أيقونة التعريف بالمدن وتسويقها عالمياً، والشواهد لا حصر لها لتأكيد ذلك عبر الزيارات المليونية لمتحف اللوفر في باريس، والمتحف البريطاني، ومتحف المتروبوليان للفنون بنيويورك، ومتحف اوفيزي بمدينة فلورانس الإيطالية، والمتحف المصري وغيرها. ويأخذنا الحديث عن المتاحف محلياً والتي جاءت بدايتها في السبعينات الميلادية وعبر أربعة عقود مضت مازالت الحاجة لاستحداث المزيد منها وتعزيز الثقافة المتحفية كإحدى أهم أدوات الجذب السياحي الرئيسة لتسويق المدن طالما يواكب تشييدها أفكاراً إبداعية خلاقة، ويبقى حضورها في المشهد الثقافي للمدن أساساً ومطلباً وأولوية. وفي رياض الفخر والعز وعبر ذاكرة المكان فيها وما تضمه من مآثر ومعالم حق وشواهد صدق تروي لنا من الروعة والجمال ألف حكاية، وتأتي المعالم والمآثر المتناثرة بين جنباتها ضمن منظومة من الموروث الساكن في الوجدان والذي يجدد بعبقه الأخاذ نبض أرواحنا وما أوحوجنا اليوم إلى تعزيز عراقة الماضي للأجيال ليمتد صداه للعالمية عبر مسارات التنمية المستدامة نحو الرقي والتطوير والتقدم ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 وضمن تطلعات قيادتنا برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وملهم الرؤية وعرابها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- وجدير بنا أن نفاخر بماضينا وأمجادنا عالمياً عبر التعريف بما تزخر به بلادنا الغالية من كنوز تاريخية جمعت بين تعظيم القيمة وجمال الأثر ويمتد بنا المسير في رياض الحب وهذا التناغم الفاخر بين المكان والإنسان. وفي الرياض نجد أن المكان شاهد على الحضارة، وفيها التاريخ يكتب، وبما أن مظاهر الفخر والاعتزاز والتباهي بموروث الوطن لا حدود لها لدينا ومع طموحنا المتنامي الذي بلغ عنان السماء وضمن رؤية طموحة أوجدت الدافع إلى طرح فكرة مبادرة وطنية للجهات ذات العلاقة في هيئة تطوير الرياض والتي ترفع باحترافية شعار الإبداع في التطوير والمواكبة عالمياً وتتلخص فكرة المبادرة في إنشاء متحف (صوت الرياض) العالمي الذي سيشكل جانباً من إرث الوطن التاريخي، ويكمل عقد هذا المخزون الثقافي الضارب في أعماق التاريخ عبر بلورة ذاكرة صوت الماضي وتدعيمه بجديد التقنية الصوتية وما يقدمه من قيم ثقافية من خلال لغة تفاعلية حية تتضمن في محتواها تعظيم قيمة صوت إنسان الماضي بدءاً من الأذان للصلوات ومروراً بالعادات الاجتماعية وأحاديث الناس وأمثالهم وأهازيج الفرح وفنونهم الشعبية لنشهد ولادة متحف فريد من نوعه يضاف إلى المتاحف الوطنية، ويقدم بحب للأجيال القادمة من أبناء الوطن عبر نماذج صوتية تجسد روح المكان كانت وستبقى منابع فكر وثقافة وحضارة متأصلة تربطهم بماضيهم المجيد وعدم الاكتفاء بما يحويه من إرث تاريخي ومقتنيات وقطع تراثية ثمينة ونادرة محفوظة من آلاف السنين ليكون رافداً مهماً يسهم في إثراء تجربة الزائر، ويشكل بذلك أول متحف لذاكرة صوت الماضي بالعالم عبر ما سيقدمه من منظومة متكاملة من العروض الصوتية البانورامية التي تعزز تجربة الزائرين للمتحف بدلاً من الاكتفاء بالمقتنيات على أن يضم عدداً من التقنيات الحديثة والشاشات التفاعلية مع الزوار التي تتحدث عن صوت الماضي بجميع تفاصيله بالإضافة للأفلام الوثائقية وقاعات العروض المرئية المنتشرة في جنباته. ويقدم محتوى المتحف الصوتي باللغة العربية التي تشكل جانباً أصيلاً وثرياً من هويتنا الوطنية، ويعرض عبر جداريات وشاشات تفاعلية مع إضافة خدمة الترجمة لعدة لغات، الأمر الذي يمكن الزوار من الاستماع والاستفادة من خدمة الأجهزة السمعية المتطورة (هد فون) خلال فترة تجوالهم بالمتحف. إن الأنسنة بمفهومها الواسع تعنى برفع مستوى الوعي والرقي بالذوق الجمالي عبر تعزيز الثقافة المتحفية وبالتالي تشرع المزيد من النوافذ المشرقة لتسويق المدن، وستبقى المتاحف بكافة أشكالها ومحتواها ومكوناتها من أبرز مقومات الجذب السياحي عالمياً يعيش معها الزائر تجارب فريدة مع الموروث الحضاري والثقافي خاصة وأن إحياء الموروث أجدى من موته بالتجاوز والاندثار. د. فهد الجهني