لا ندرك مدى خسارتنا من تجاهل رصيد الخبرة ومخزون الحكمة لدى كبار السن، نعم نهتم بهم ونحرص عليهم، لكننا لا نوليهم القدر الكافي من الاهتمام الذي يجعلهم يستمرون عنصر بناء وقيمة مضافة للمجتمع. لذا يحتفل العالم سنوياً بيوم عالميٍ للمسنين كل غرّة أكتوبر، ويحمل شعار هذا العام "تقديرهم واجب". ولله الحمد اهتمّت بلادنا بالمسنين، إذ نصت المادة السابعة والعشرون من النظام الأساسي للمملكة على حقوق المسن، وأن "تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية"، من خلال البرامج والمشاريع التي أنشأتها ورعتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إذ تقدم الرعاية الشاملة عبر اثنتي عشرة دار رعاية اجتماعية منتشرة في المملكة، ناهيك عن تقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين من المسنين وأسرهم عبر وكالة الضمان الاجتماعي، وبرنامج الرعاية المنزلية للمسنين داخل إطار الأسرة، بل عملت على مبادرات تأسيس خمس وحدات نموذجية للمسنين، متوافقة مع احتياجاتهم تشمل الخدمات الصحية والعلاج الطبيعي والنادي الترويحي. وكذلك خدمة بطاقة امتياز الرقمية، التي تسهّل لحامليها المسنين الحصول على الأولوية في الخدمات واستحقاق خصومات على خدمات الجهات الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى مشاركة مجلس شؤون الأسرة في صياغة حقوق كبار السن وحمايتهم من الإيذاء. غير أن أفضل الخطوات كانت تمكين القطاع الأهلي من تأسيس 13 جمعية أهلية متخصصة في دعم المسنين، تغطي كافة مناطق المملكة، وهو ما يُحمل مؤسسي وأعضاء الجمعيات المسؤولية؛ كون القطاع الأهلي أكثر مرونة على ابتكار البرامج والفعاليات، وعلى سرعة الوصول إلى الفئات المتخصصة، وأعتقد أن المساحة لا تزال تحتاج مزيداً من الجمعيات والمؤسسات الخيرية لدعم وتمكين المسنين. حالياً يمثل المسنون ما نسبته 5 % من سكان المملكة، غير أنه من المتوقع حسب دراسة أعدتها "الجمعية السعودية لمساندة كبار السن" أن ترتفع نسبتهم إلى 11.1 % بحلول العام 2030 وإلى 20.9 % في العام 2050! فيما تتوقع منظمة الصحة العالمية أن تصل نسبة المسنين عالمياً إلى 17 % بحلول العام 2050، وهذا يضاعف المسؤولية أن نزيد من برامج الرفاه الاجتماعي والدعم النفسي التي تستهدف كبار السن، وأن نراعي الزيادة المتوقعة خلال السنوات المقبلة. لقد أفنى كبار السن حياتهم في العطاء والبناء، بل والتضحية لأجل الآخرين، ولم يتوقف الكثيرون منهم عن تقديم إسهامات نوعية للمجتمع عن طريق العمل التطوعي ونقل الخبرات والمعارف للأجيال اللاحقة، لذا من الواجب أن نعزز روح المبادرة، ونجعلها ممارسة سهلة وذات أثر إيجابي على المتطوع من المسنين. الاهتمام بكبار السن يجاوز مجرد رعايتهم الاجتماعية وتقديم الخدمة الصحية لهم؛ إلى تعزيز قيم الاحترام وهو جوهر شعار اليوم العالمي، وتوفير بيئة آمنة في المجتمع، تحفظ حقوقهم وتصون كرامتهم.