أتت الإطاحة التاريخية وغير المسبوقة برئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي، بعد ثلاثة أيام فقط من اضطراره لاستخدام أصوات الديمقراطيين لتفادي إغلاق حكومي مدمر، كان الحكم المطلق لحزبه على وشك إشعاله. وقد أدى هذا إلى تفاقم خطيئته الأصلية في وقت سابق من هذا العام، عندما هدد المتشددون من الحزب الجمهوري في مجلس النواب بالتسبب في تخلف كارثي عن سداد ديون أمريكا، وهو ما كان من شأنه أن يلقي الاقتصاد الأمريكي في حالة من الفوضى والذعر العالمي. تمت إقالة مكارثي من منصبه بأغلبية 216 صوتًا مقابل 210 بعد تسعة أشهر من القتال مع الجناح اليميني المتشدد في الحزب، وبسبب أغلبيته الضئيلة والإجراء الذي يسمح لأحد الأعضاء بفرض التصويت على عزل رئيس المجلس، كان الجمهوريون الثمانية بقيادة النائب مات جايتس الذين صوتوا إلى جانب جميع الديمقراطيين كافين لإطاحته. بعد الإطاحة بمكارثي، أصبح الحزب الجمهوري أمام تحدٍ كبير يتعلق بتحديد بديل لتولي منصب رئيس مجلس النواب، وفي هذا الشأن قال باتريك ماكهنري (جمهوري من ولاية نورث كارولاينا) -الذي يدير مجلس النواب مؤقتًا-: "إن المرشحين الجمهوريين سيطرحون أفكارهم يوم الثلاثاء المقبل بهدف التصويت يوم الأربعاء التالي". وحتى يتم الاتفاق على شخص معين لهذا المنصب سيتم تعليق أعمال مجلس النواب، بما في ذلك الجهود المبذولة لتمويل الحكومة قبل الموعد النهائي في نوفمبر. هذا الحادث غير المسبوق على مستوى رئيس مجلس النواب، الذي يعد ثالث أهم منصب في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد منصب الرئيس ونائبه، يكشف وصول الانقسام داخل الحزب الجمهوري إلى مرحلة خطيرة. هذا الانقسام الذي يُوعز من قبل المراقبين إلى ظاهرة الرئيس السابق ترامب، التي يصفونها بواحدة من القوى الكبرى لعدم الاستقرار في الحياة الأمريكية. هذا الانقسام ليس وليد الساعة، وإنما كان نابغا بعد فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية الضئيلة في الانتخابات النصفية 2022، حيث تطلب الأمر خمس عشرة جولة من قبل كيفن مكارثي، ليتمكن من الفوز بمنصب رئيس مجلس النواب! وبعد تسعة أشهر فقط خرج من المنصب. كان بوسع مكارثي، أن يحاول استعادة السلطة، من خلال مداهنة أو إرغام الجمهوريين الذين أسقطوه هذا الأسبوع على تغيير رأيهم، كما فعل في يناير الماضي، ولكن يبدو أن الخيارات المتاحة أمامه قليلة، وقد أشار مساء الثلاثاء إلى أنه لن يترشح مرة أخرى. من غير الواضح - في الوقت الراهن - من يمكنه توحيد المؤتمر وإعادة الحزب الجمهوري، إلى قيادة المشهد داخل مجلس النواب، وبالرغم من ذلك طرحت بعض الأسماء مثل النائب عن مينيسوتا توم إيمير، والنائب عن ولاية أوهايو جيم جوردان رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، وكذلك النائب عن أوكلاهوما كيفن هيرن الذي يقود كتلة تضم أغلبية من الأعضاء الجمهوريين. وفي مقام اختيار بديل عن كيفن مكارثي كان اسم النائب ستيف سكاليز من ولاية لويزيانا اختيارًا واضحًا للمنصب بوصفه الزعيم رقم اثنين الذي يتمتع بالعلاقات الجيدة عبر المؤتمر، لكن حالته الصحية وإصابته بسرطان الدم تقلل من حظوظه في تحقيق توافق. وبغض النظر عن النائب الجمهوري، الذي سيحل محل كيفن مكارثي، فإن الانقسامات داخل الحزب ستظل قائمة. ولا تزال التحديات التي تواجه إدارة مجلس النواب بشكل فعال هي نفسها، وذلك لأنه، على الرغم من أن هذه اللحظة كانت تاريخية - حيث تمت إقالة أول رئيس بتصويت في مجلس النواب - إلا أنها كانت أيضًا تتويجًا لمعركة شرسة داخل الجمهوريين، بين المؤسسة السياسية للحزب وقاعدته الغاضبة التي كانت تختمر منذ ضهور حركة حزب الشاي في عام 2009. الحزب الجمهور بحاجة إلى الإصلاح من الداخل وأمريكا أمام تحدٍ كبير وغير مسبوق، يهدد استمرار عمل الحكومة الفيدرالية، من حيث الرواتب والبرامج التنموية في الداخل، ويزعزع هذا التحدي مكانة الولاياتالمتحدةالأمريكية داخل المشهد الدولي. العالم اليوم بحاجة إلى تعزيز الثقة بقدرة أمريكا على قيادة العالم إلى بر الأمان، ولن يقبل مقولة "باب النجار مخلع".