لا ريب أن منطقة الشرق الأوسط من أسرع مناطق العالم من حيث النمو الاقتصادي، وتحتوي على العديد من مشروعات البنية التحتية والتطوير الطموحة التي يُتوقع أن تجتذب ما يقرب من تريليون دولار من الاستثمارات بحلول عام 2030، وفقاً لدراسة أجراها بنك مورغان ستانلي بنهاية العام الماضي بعنوان "مستقبل المملكة العربية السعودية: يظهر بسرعة فائقة". هذه المشروعات الضخمة ستعمل على تحويل المجتمعات والاقتصادات وأعتقد أنها قادرة أيضا على أن تمسك بزمام الريادة في الممارسات الجديدة للتنمية المستدامة. في الواقع تتمتع المنطقة بفرصة فريدة للمضي قدماً في إحداث تغيير تدريجي في الاعتبارات البيئية وخفض الانبعاثات في قطاع ينتج عنه حوالي 30٪ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، وهذا يتماشى مع مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف إلى الوصول إلى "صافي صفر" انبعاثات الكربون بحلول عام 2060. يتزايد عدد المدن حول العالم التي تبحث عن طرق لبناء بنى تحتية متجددة استجابة لعواقب أزمة المناخ. فبالإضافة إلى المخاطر التي تشكلها الظواهر الجوية المتطرفة بشكل مباشر مثل الفيضانات والجفاف، أصبحت أضرارها غير المباشرة المرتبطة بانهيار البنية التحتية أكثر تواترا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مما يوضح أن التصاميم والمباني الحضرية التقليدية بحاجة إلى التغيير للتكيف مع الظروف الجديدة. واستجابة لذلك، ظهرت البنى التحتية المتجددة: وهي أنظمة مصممة ليس فقط لتلبية الاحتياجات الحالية، ولكن أيضًا لتكون قادرة على التكيف مع متطلبات الغد باستخدام تقنيات جديدة تدفع هذا التحول بشكل رئيسي. حيث يلتقي التجديد والبنية التحتية البنية التحتية المستدامة هي البنية التحتية التي تم تصميمها وبناؤها مع مراعاة التأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية طويلة المدى وبأخذ جميع الجوانب المالية وغير المالية في الاعتبار. وتهدف إلى الحد من تأثيرها على البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وتحسين نوعية حياة المجتمعات المحلية. ترتكز البنى التحتية المتجددة على هذه الفكرة ولكنها تتجاوز معنى الاستدامة. ففي حين تهدف الاستدامة إلى الحفاظ على الوضع الراهن ومنع المزيد من التدهور البيئي، فإن البنى التحتية المتجددة تتخذ نهجا أكثر استباقية، فالهدف منها هو إنشاء أنظمة تقلل من التأثيرات السلبية على البيئة وتساهم بنشاط في الإصلاح البيئي والرفاهية الاجتماعية وتركز على الخروج بحلول متكاملة ترى البنية التحتية كجزء من نظام طبيعي أكبر. وهي تستند إلى فكرة أن عملية البناء يجب أن تكون قادرًة على تجديد البيئة واستعادتها بدلاً من الإسهام في تدهورها أو استنزافها. وتشمل هذه الممارسة استخدام أساليب وتقنيات البناء الأخضر، واستخدام الطاقة المتجددة والحفاظ على الموارد الطبيعية، بهدف تقليل النفايات والتلوث الناتج عن المباني والمدن. وبالإضافة إلى ذلك تهدف البنية التحتية المتجددة إلى تحسين صحة ورفاهية المجتمع من خلال توفير مساحات صديقة للبيئة تصلح للعيش الصحي والعمل الصحي كذلك على تعزيز الاقتصاد الدائري. ومن الأمثلة الرائعة على هذا النوع من البنية التحتية محطة الجبيل 3ب، وهي محطة تحلية مياه نقوم بإنشائها في الجبيل بالمملكة العربية السعودية وتعمل بتقنية التناضح العكسي بقدرة 575 مليون لتر يوميًا (تقنية تحلية المياه الأكثر كفاءة واستدامة وذات أقل بصمة كربونية). يستخدم ثلثا مساحة قطعة الأرض المخصصة لمحطة التحلية لإنشاء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة إسمية 61 ميجاوات وقد تم تصميمها باستخدام الحلول الأكثر كفاءة واستدامة في هذا المجال. وقدرة حقل الطاقة الشمسية هذا هي أكبر قدرة لمحطة شمسية داخلية بين محطات تحلية المياه في المملكة العربية السعودية، وهذا من شأنه أن يقلل من استهلاك الطاقة من الشبكة مما يساعد على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بإنتاج المياه بهذه المحطة بشكل كبير. وسيشمل المشروع أيضًا صهاريج التخزين للإنتاج اليومي والمرافق الكهربائية الخاصة (محطة تخفيض وخط جهد عالي بطول 59 كيلومترًا) والأعمال البحرية المرتبطة بها. ستساهم هذه المحطة في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وتحقيق أهداف الصافي الصفري للانبعاثات، سعيًا إلى تقليل اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري ودفع التحول إلى الطاقة النظيفة. وسيقوم مشروع الجبيل 3ب بتوفير المياه لمليوني شخص في مدينتي الرياض والقصيم بالمياه بمجرد تشغيله تجاريًا في عام 2024. وعندما نتناول موضوع البنية التحتية المتجددة فيجب ألا ننسى نقطة غاية في الأهمية ألا وهي التمويل الأخضر، حيث أنه يوفر الآليات المالية والحوافز اللازمة لدعم تطوير هذا النوع من البنى التحتية. يتيح هذا التمويل تخصيص رأس المال للمشروعات التي تعزز الإصلاح البيئي، وكفاءة الموارد، والطاقة المتجددة، مما يسهل الانتقال إلى بيئة أنشئت بشكل أكثر استدامة وتجددًا. وقد اكتسب هذا التمويل زخما كبيرا في السنوات الأخيرة حيث تسعى الحكومات والمستثمرون والشركات إلى معالجة مشكلة تغير المناخ، وتعزيز الاستدامة، والتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. وفي هذا الصدد فقد جمعنا في العام الماضي 480 مليون دولار أمريكي من التمويل الأخضر لإنشاء ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في المملكة العربية السعودية وهي مشروعات المدينةالمنورة 3 وبريدة 2 وتبوك 2، وقد تضمنت المجموعة الممولة مقرضين محليين وإقليميين ودوليين. كما تضمن هيكل التمويل شريحة إسلامية نسبتها 60% من قيمة القروض المهيكلة على صورة "تسهيلات إجارة" أو التأجير الإسلامي. وفي الوقت الراهن يكثف المستثمرون والمؤسسات المالية جهودهم في تخصيص رؤوس الأموال لمشروعات البنية التحتية الخضراء مثل محطات معالجة المياه. قامت الشركات المسؤولة عن إنشاء المشروع بوضع إطار عمل للقرض الأخضر وفقًا لمبادئ القروض الخضراء لعام 2021 الصادرة عن رابطة سوق القروض، ورابطة سوق القروض في آسيا والمحيط الهادئ، وجمعيات القروض المشتركة والتجارية. وفي هذا الإطار ستمول القروض الخضراء النفقات المتعلقة بمشروعات معالجة مياه الصرف الصحي. وقد قامت وكالة (تصنيفات ستاندرد آند بورز جلوبال) باعتماد تصنيف تمويل هذه المشروعات كتمويل أخضر، بما يتوافق مع أفضل الممارسات. وستعمل المحطات الثلاث على معالجة مياه الصرف الصحي لما يصل إلى مليوني نسمة، والمساهمة في الجهود الوطنية للحفاظ على المياه وإعادة استخدامها، وفقًا لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 ومخططها للتنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي. تركز رؤية 2030 بشكل خاص على الاستخدام الأمثل لموارد المياه المتجددة للأغراض الزراعية وتحسين كفاءة استهلاك المياه محليًا وزراعيًا. وفي الختام نؤكد أنه في ظل سيناريو عالمي دائم التغير تتضح ضرورة التفكير في هذا النوع من البنى التحتية باعتباره أحد الأصول الضرورية لإنشاء مدن متجددة قادرة على الصمود. *مدير حلول المياه في ACCIONA الشرق الأوسط