كلّ ما اعتلج المملكة العربيّة السعوديّة من تغيّرات وتحديّات وإصرار بدأ مع جلالة الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- في توحيد القبائل بما يتناسب مع البقعة الخصبة والكبرى الممتدّة على طول شبه الجزيرة العربيّة وصولًا إلى رؤية 2030 مع سمو ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان يستحقّ أن يكون فيلماً طويلاً لا يحذف منه أي مشهد أو تختزل منه أي وقفة. والحقّ أن من يرى هذا التطور والتراكم في بذل الجهود سواء في السياسة أو المجتمع أو الإدارة للشؤون الدينيّة أو الاقتصاد الذي يجنح بقوة نحو التحرّر يدرك أن صلة وصل عميقة تجمع ما بين الجيل الحاكم في العقود المنصرمة والجيل الذي يتهيّأ لتجديد الحكم وطرائقه في المملكة. والوقوف تحديدًا عند خطوة جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الرامية إلى إفساح المجال لجيل الثورة التكنولوجيّة والذكاء الاصطناعي في مقاربة الحكم السابق وبناء حكم حالي عصري بدأ برؤية شاملة مع سمو الأمير محمد بن سلمان يضعنا أمام هدفين المنحى الداخلي وتحصين المجتمعات من الصدام مع ثقافات أخرى وترسيخ المملكة كمعادلة أنموذجية في الخارج للعالم العربي. الداخل وتحديّات المجتمع... يبدأ سمو ولي العهد ببناء وترميم السعوديّة الجديدة بفكرة خضراء تنبع من احتكاكه بالشباب، وقد صوّرت عدّة مشاهد سمات هذا الاحتكاك تحديدًا لقائه بأعضاء فريق المنتخب السعودي خلال مونديال قطر 2022 والجرعة الإيجابيّة النفسيّة التي منحها أحد قادة البلاد لأفراد شعبه الرياضيين تظهر أنّنا أمام تداول وتقاسم عادل للقيادة كلّ في مجاله ووفقًا لقدراته والهدف واحد تحصين الوطن. وكذلك الأمر يتجلّى من خلال الامتيازات التي توفرها قيادة المملكة بشخص ملكها سلمان بن عبد العزيز وولي عهده سواء من ناحية إعطاء المرأة مساحة وظيفيّة كبرى في حقل التعليم ( تولي مهام التنسيق المدرسي مثلاً دون الحصر) دخولها المجال الدبلوماسي والوزاري والأكاديمي والطبّي، وما دخول شبكة الأمان الاجتماعية في عصر كوفيد 19 إلا دليل على تماسك المجتمع والدولة وتضامنهم الاجتماعيّ، فضلًا عن التنسيق العالي بين الجنسين لبناء منصب واحد لا سيّما في الشؤون الإعلانيّة والمصرفيّة وحتّى الثقافيّة والفنيّة. هذه الخطوات العالية التي توفرها بسلاسة المملكة، فضلًا عن تصدّي سمو ولي العهد للتطرف الديني الذي كاد أن يكون خطرًا سياسيًّا قائمًا على بلاد الحرمين الشريفين من خلال التخطيط والمنطق ولغة العقل التي أظهرها ابن سلمان في مقابلاته مع أكثر من صحيفة عالميّة... وفي المناخ الديني تعدّ خطوة تطوير خدمات حجّاج بيت الله الحرام حجراً أساسيّاً لقراءة المشهد الديني بلغة عصريّة تهذّب المنطق والعمل وتزيد الشعوب ترغيبًا ليكون بذلك المشهد الداخلي بانوراميًّا ذا إطلالة إصلاحيّة تعيد ترتيب البيت الأخضر وتزيّنه بحلّة من الاستقرار والأمن والسلام. الخارج واستراتيجيّة السلام القويّ التنسيق العالي ما بين حكمة الجيل السابق المتمثل بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والجيل الحالي المتمثل بسمو ولي العهد محمّد بن سلمان أظهر نتائجه حيال المنطقة العربيّة ككل٬ فالسعوديّة اليوم باسمها السياسي ووزنها العربي تلعب دور الديبلوماسي الوسطي الجامع لا المفرق، بدءًا من الاتفاق مع إيران واستمرار التفاهم وفصله التام عن ملفات المنطقة، ومن ثم الدخول السلس كقوّة إنسانية مساعدة لشعوب منكوبة عبر جسور جويّة عالية الاستجابة مثلما حصل في لبنان عام 2020 بعد تفجير المرفأ وبعيد زلزال تركيا وسورية ومن ثم المغرب وإعصار ليبيا. اتخذت السعوديّة بهذه الرؤية الجديدة دور الأم الحاضنة بعقل، وباتت السيادة مفهوماً سياسيًّاً يرسخ دورها. فضلًا عن ذلك فإن التعاطي العاقل مع الدول الكبرى بمنطق الند لا التابع جعل منها اقتصادًا ووحدة سياسيّة لا يمكن تخطّيها، وما أزمة أوكرانيا وموقف المملكة الوسطي، وأزمة اليمن التي انتهت بفعل حلول المملكة السياسيّة إلا دليل كبير على اتباع القيادة العصريّة للمملكة استراتجيّة السلام القوي. في عيدها الوطني تبقى المملكة البوصلة والمبتدأ لكلّ نتيجة، وسببًا أول لبناء الاستقرار والتشاور، وتبقى الرؤية إلى الأمام والتي كرسها سمو ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان هي الانطلاقة الدائمة لبلد لن يكون هدفه سوى بثّ اللغة الخضراء في الداخل والخارج.