المتتبع للسياسية الخارجية السعودية يجدها سياسة نموذجية تتميز بمقومات الثبات، والقبول، والقدرة على التكيف مع التحولات الدولية، وهذا ما نلمسه بجلاء في سياسة السعودية الخارجية خلال الثمانية أعوام الماضية، وهي السنوات التي تولى فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، إذا أضحت أكثر ديناميكية ورشاقة وقدرة على الاستجابة السريعة للتغيرات المتسارعة في السياسة الدولية. المكانة الروحية والرسالة التاريخية في هذه المرحلة يذكر أ.د. عبدالله بن عبدالمحسن العساف - أستاذ الإعلام السياسي- :تولى الملك سلمان إعادة هندسة سياسة بلاده الخارجية بما يتلاءم مع مكانتها، ويحمي مقدراتها، ويحافظ على سيادتها، ويعزز مكامنها بين دول العالم، والأهم هو اختيار موقع مناسب ينأى ببلاده عن الصرعات الدولية، بأشكالها المختلفة، هذه السياسة التي سعى الملك سلمان لصناعتها لتعزيز موقع المملكة على الخارطة الدولية، وتأكيد مكانتها الروحيّة ورسالتها التاريخية، والعمل على تفعيل دور المملكة على المسرح الإقليمي والدولي، تحقيقا لمصالحها الاستراتيجية، يمكن رصد ابرز عناوينها كما يلي: السعودية التخلي عن الهدوء الدبلوماسي وتطويق الخطر أولاً: تخلي السعودية عن هدوئها الدبلوماسي المعهود، ومحاولة تطويق الخطر قبل أن يستفحل، وتصبح تكلفة علاجه باهظة جدا، فقد قادت المملكة في عهد الملك سلمان، مبادرات كبرى لحماية الأمن القومي العربي، ودرء التدخلات الخارجية، فجاء تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة، لتكون أبرز تحول سياسي في توازنات المنطقة منذ عقود، وتصدت بحزم لكل الهجمات التي طالتها، واستطاعت حماية أمن الطاقة العالمي وحرية الملاحة البحرية، في الوقت الذي صمت فيه المجتمع الدولي عما تعاهد عليه في اتفاقية البحار فيما يخص سلامة الممرات المائية. التعامل الحازم مع التنظيمات الإرهابية ثانيا: التوصيف الدقيق والتعامل الحازم مع جميع الأفكار والتنظيمات الإرهابية في المنطقة، سواء أكانت أفرادا أم منظمات، والعمل على اتخاذ مجموعة من التدابير الخاصة والمشتركة مع الدول المناهضة للإرهاب وداعميه والعمل المشترك على تجفيف منابعة. الجولات الملكية ترسيخ علاقات الصداقة والشراكة ثالثا: تجديد وترسيخ علاقات السعودية مع مختلف دول العالم، من خلال الجولات الملكية لعدد من الدول الصديقة والشقيقة، واستقبال ما يزيد على مائتين رئيس دولة وحكومة خلال السنوات الماضية، والعمل على تمتين الصداقة والشراكة معها، وفي كل جولة يتم استحداث عددا من المشروعات الثنائية ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات. الفاعلية السياسية السعودية رابعاً: استمرار الفاعلية السياسية من خلال العمل الدؤوب والمستمر والذي عكسته القمم المتتالية التي عقدتها السعودية بشكل عام، أو في يوم واحد، فمن القمة السعودية/ الخليجية الأمريكية، إلى القمة الإسلامية الأمريكية، ثم ما شهدته قمم مكة من اجتماع إسلامي كبير، ثم القمة الأمريكية الخليجية، وبعدها القمة العربية الأمريكية، بحضور الرئيس بايدن والذي تعهد أمام ناخبيه بتحويل السعودية إلى بلد منبوذ، فإذا هي تتحول إلى بلد مقصود وهو من طرق أبوابها، ثم القمة الصينية، وما تلاها من قمم عربية وخليجية متنوعة الأغراض، متعددة المخرجات. المرتبة المتقدمة للسعودية بين المانحين الدوليين خامساً: امتلاك سلة من الأدوات المتنوعة من القوة الناعمة والصلبة، وهي ما يعرف في المصطلحات السياسية بالقوة الحادة التي تزاوج بين القوة العسكرية والقوة الناعمة، فيد تبني وتساعد وتواسي، حتى حازت السعودية المرتبة المتقدمة بين المانحين الدوليين، ويد سعودية تحارب كل من تسول له نفسه المساس بأمن المملكة وسلامة مقدساتها ومواطنيها واراضيها ومقدرتها. السعودية تنوع سلتها السياسية سادساً: وكما أن للسعودية رؤية تسعى لتنويع سلتها الاقتصادية فقد سعت لتنويع سلتها السياسية وبنت علاقات استراتيجية مع مختلف دول العالم، فالصين وروسيا اضحتنا شريكين مهمين للمملكة العربية السعودية. السعودية وسيط في حل الأزمات سابعاً: خلال هذه الحقبة الزمنية قدمت السعودية نفسها كوسيط نزيه في حل الأزمات، وتقريب وجهات النظر، فأوكرانيا وروسيا يتوجهان للرياض من أجل الوساطة بينهما، فحضر الرئيس الأوكراني للقمة العربية مطالباً إياها بالتدخل من أجل السلام، كما شهدت ذات القمة رسالة مباشرة من الرئيس الروسي، شارحاً موقف بلاده ومطالبا الدول العربية بالحياد الإيجابي، وهذه أول مرة في تاريخ القمم العربية تتجه الدول إليها من المساعدة في حل أزماتها، وهذه المكانة صنعتها السعودية لأمتها العربية انطلاقاً من إحساسها بدورها وبالتزامها تجاه اقليمها، وممارسة لدورها الريادي. العلاقات السعودية مع دول الإقليم ثامناً: العمل على نزع فتيل الأزمة وتطبيع العلاقات مع دول الإقليم وقبول الوساطة الصينية لعودة العلاقات مع إيران، وفتح صفحة جديدة مع تركيا، ودعم عودة سويا للجامعة العربية، ودعم الحق الفلسطيني بإقامة دول كاملة العضوية في الأممالمتحدة، وعاصمتها القدس. استثمار العلاقات تاسعا: سعي السعودية باستثمار علاقاتها لدى الفرقاء في السودان لحل النزاع أو على الأقل تقليل حدة التوتر، وعقدت من أجل هذا الأمر عدداً من اللقاءات منها منبر جده، وطرح عدد من المبادرات أثمرت عن عدد من الهدن القصيرة، وفتح ممرات أمنه للمدنيين، وللمساعدات الإنسانية، وعدم المساس بالأعيان المدنية. الدور الريادي عاشراً: كان للسعودية دوراً ريادياً بعودة سوريا للجامعة العربية عبر بوابة الرياض، رغم وجود معارضة دولية، لكن السعودية أثرت المصلحة العربية العامة والسعي لوحدة الصف العربي، ومساعدة سوريا على استعادة عافيتها، والمحافظة على عروبتها، ووحدة أراضيها. الدور الإنساني السعودي حادي عشر: الدور الريادي الإنساني للسعودية في بداية الصراع السوداني، فأضحت الرياض وحدها في المقدمة وعلى خطوط النار في الوقت الذي تراجعت فيه دولاً توصف بالعظمى، ومنظمات أممية عن دورها في مثل هذه الظروف، فتحولت سفارة السعودية بأوامر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الخرطوم إلى الملاذ الآمن، كما سيرت السعودية اسطولاً من السفن من جده إلى بورتسودان حتى تم إجلاء أكثر من ستتة الأف من رعايا ما يزيد على مائة دولة تقدمت للسعودية بطلب إنقاذ مواطنيها من الحرب في السودان. مبادرات إقليمية الثاني عشر: البعد الإنساني في السياسة الخارجية السعودية، تمثل في عدد من المبادرات الإقليمية مثل إعادة الأمل والتي ولدت بعد سبع وعشرين يوماً من قيام عاصفة الحزم، والتي أعادت الأمل لليمن من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والعمليات الإنسانية، ببرامجه المتعددة مثل برامج مسام، لنزع الألغام، وزراعة الأطراف التعويضية للمتضررين، بالإضافة للكثير من المساعدات الغذائية والطبية والوقود، وفي في جمهورية تنزانيا الاتحادية تم تدشين المشروع الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح للأطفال ذوي الدخل المحدود، وعالمياً لاتزال ريادة السعودية في فصل التوائم، والاوامر الملكية باستقبال الحالات من مختلف دول العالم، وعالمياً لم يغب عن البال دعوة الملك سلمان لقادة مجموعة العشرين، بالاجتماع عن بعد من خلال قمة افتراضية لتقديم الحلول الطبية والمساعدات الإنسانية، وغيرها من الخدمات المالية والاقتصادية لتخفيف الأعباء عن الدول الأكثر حاجة والأقل نمواً إبان جائحة كورونا. حجر الزاوية في السياسة الدولية هذا الدور الريادي للملكة العربية السعودية لم يأت من فراغ، بل بفضل الله ثم بوجود قيادة كريمة ذات رؤية سياسية وحكمة متوارثة وعلاقات دولية مع مختلف زعامات العالم في عهد الملك سلمان ساهمت في تطوير علاقات المملكة بجميع أطراف المجتمع الدولي ومكوّناته، خاصة القوى الفاعلة فيه، والأكثر تأثيرا في حركته، وحق لنا أن نفخر بوطننا الذي أضحى يشكل حجر الزاوية في السياسة الدولية، المعتدلة، والمناصرة للحق والمدافعة عن قضايا الإنسان. وتجرد من الهوى لترى بمنظار الحق والعدل أنها في كل مناسبة ومحفل سياسي تجدد تأكيدها على موقفها الثابت في دعم أمن واستقرار المنطقة، والدعوة إلى اللجوء إلى سلاح الحوار وننبذ حوار السلاح، والتأكيد المستمر على إيمانها بمبدأ الحوار وحل النزاعات بالطرق السلمية، انطلاقاً من مرتكزات سياسية ثابته لا تتوانى عن خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية.