تعد المملكة لاعباً رئيساً في المنطقة، وتؤدي دوراً مهماً في استقرار الاقتصاد العالمي؛ بتحكمها في استقرار أسواق الطاقة العالمية، وكونها مركزاً لوجستياً للتجارة العالمية بين الشرق والغرب بعد الإعلان عن الممر الاقتصادي الذي ستحتضنه المملكة، والذي سيربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، ويمر عبر أراضي المملكة من عُمان شرقاً إلى الأردن شمالاً؛ مما سيسهم في خفض تكاليف الشحن وزمن العبور وتخفيض استخدام الوقود، ويجعل التجارة أسرع وأرخص، وسيجعل من المملكة قوة اقتصادية عالمية؛ لامتلاكها مصادر الطاقة من جانب، وتحكمها بسلاسل الإمداد من جانب آخر، والتي تتطلب تطوير وتأهيل البنى التحتية من سكك حديدية، وربط الموانئ، وزيادة الاستثمارات مع الشركات العالمية وزيادة التبادل التجاري بين الشرق والغرب بشكل فاعل وسريع، فالمملكة ستكون حلقة وصل عالمية. ولهذا الاتفاق أهمية كبيرة خصوصاً أنه يحظى بدعم أميركي وأوروبي، فقد وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه "سوف يغير قواعد اللعبة" في إشارة منه إلى منع تحكم الصين بطرق التجارة العالمية "مبادرة الحزام والطريق"، كما علقت رئيسة المفوضية الأوروبية قائلة: "هذه خطوة تاريخية.. سيكون هذا الربط الأكثر مباشرة حتى الآن بين الهند والخليج العربي وأوروبا.. إنه جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات.. خط السكك الحديدية سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40 بالمئة"، والاتفاق يشمل مشروعات للسكك الحديدية وربطاً للموانئ البحرية، وخطوطاً لنقل الكهرباء والهيدروجين وكابلات لنقل البيانات، ويتألف المشروع من ممرين منفصلين هما: "الممر الشرقي" الذي يربط الهند مع الخليج العربي عبر الموانئ مما سيجعل بحر العرب أكثر حيوية، و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا. وهنا لا بد من الإشارة إلى إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- المخطط العام للمراكز اللوجستية، والذي يضم 59 مركزاً لوجستياً متوزعة على مناطق المملكة؛ بهدف تطوير البنية التحتية للقطاع اللوجستي في المملكة وتنويع الاقتصاد المحلي بما يعزز مكانة البلاد كوجهة استثمارية رائدة ومركز لوجستي عالمي. مما يعكس مدى بعد رؤية ولي العهد، وتهيئة المناخ المناسب في المملكة لأن تكون ممراً اقتصادياً ومركزاً لوجستياً للتجارة العالمية بين الشرق والغرب، يقول الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-: إن "إطلاق المخطط العام للمراكز اللوجستية يأتي امتداداً لحزمة من المبادرات المستمرة وفق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية.. إن تطوير القطاع اللوجستي يدعم النمو الاقتصادي من خلال الربط المحلي والإقليمي والدولي بشبكات التجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمية، وكذلك تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتوسيع فرص توليد الوظائف". كما تستهدف الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية الوصول بالبلاد إلى قائمة أفضل 10 دول عالمياً ضمن مؤشر الأداء اللوجستي بحلول عام 2030. وتجدر الإشارة إلى أهمية العلاقات السعودية الهندية، والتي شهدت نقلة نوعية؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 52 مليار دولار عام 2022م، مقارنة ب35 مليار دولار عام 2021م وفقاً لاتحاد الغرف السعودية، فالهند تعد ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، فيما تمثل المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند، ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في المملكة أكثر من 400 شركة، في حين يبلغ عدد الشركات السعودية في الهند نحو 40 شركة، وقد دشن مكتب "شركة أرامكو آسيا الهند" فصلاً جديداً في العلاقة بين المملكة الهند، لتلبية الإمدادات المستقبلية من الطاقة، كما أسهم مجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي - الهندي في تطوير التعاون بين البلدين في شتى المجالات من خلال مواءمة رؤية المملكة 2030 وبرامج تحقيق الرؤية مع مبادرات الهند الرائدة "اصنع في الهند" و"ابدأ من الهند" و"المدن الذكية" و"الهند النظيفة" و"الهند الرقمية". بعد هذا الاتفاق العالمي على جعل المملكة ممراً اقتصادياً عالمياً للتجارة والطاقة بين الشرق والغرب أتمنى على الحكومة فتح السوق اللوجستية لجذب أفضل المشغلين في مجال اللوجستيات من القطاع الخاص، ومنح امتيازات للشركات الخاصة بإدارة العمليات وتطوير وتشغيل عدد من الخدمات في المراكز اللوجستية، وتخصيص المرافق اللوجستية، والاعتماد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعمل على تطوير مناطق اقتصادية خاصة تتميز بإجراءات ميسرة لإقامة الأنشطة التجارية، وسياسة ضريبية جاذبة للاستثمارات، والعمل على زيادة كفاءة الربط بين وسائل النقل المختلفة، خصوصاً إيصال السكك الحديدية إلى جميع المدن الصناعية في المملكة. أخيراً، أدعو الله عز وجل أن يسدد ويوفق جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، لجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة وتتبوأ مكانة عالمية، ويكون لها دور محوري مهم في صياغة نظام اقتصادي عالمي.