في الذهن كثير من الأسئلة تتعلق بموضوع التفاهة.. بداية نتساءل: هل هناك حاجة لتعريف التفاهة؟ وهل هناك إجماع إنساني على تحديد التفاهات في كافة المجتمعات؟ هل الشي التافه في مجتمع هو مصدر افتخار في مجتمع آخر؟ هل هي الشيء الذي لا قيمة له، هل هي الدناءة أو الخروج عن المألوف، أو السلوك المعيب، أو الفوضى وكسر القوانين، وتحدي الأنظمة؟ هل هي الوقاحة أو المستوى الهابط من الأقوال والأفعال؟ هل يوجد في هذا العصر ما يسمى بنظام التفاهة كما يقول بذلك الفيلسوف الكندي آلان دونو؟ وهل انتصر هذا النظام وسيطر على حياة الناس، حيث تكون المنتجات الفكرية والمادية الرديئة هي التي تتصدر وتحظى بالمتابعة والشهرة والمكافآت؟ هل هي عبث له مردود مادي؟ هل كانت التفاهة موجودة في السابق ولكن دون وسيلة تواصل ودون شعبية ودون مردود مالي؟ أصبح المهتمون بالحياة الاجتماعية يتحدثون عن صناعة التفاهة في مجالات مختلفة فقد انتشرت بسرعة وانتقلت من مجال إلى آخر فدخلت عالم الإعلام والأدب والفن والحياة الاجتماعية، وأصبح المال هو الطاقة القوية التي تحرك التافه والمتلقي، الأول للكسب، والثاني للتمظهر. هل متابعة محتويات التفاهة تعكس ثقافة المجتمعات أم حالة ملل ورغبة في الخروج من صندوق العادات والتقاليد والروتين؟ هل الذين يصنعون التفاهة أقل في المستوى التعليمي من المتلقين للتفاهة؟ في زمن العولمة، هل هناك تفاهات مشتركة يتفق على رفضها الناس في كل المجتمعات مثل السخرية من شكل الإنسان أو إعاقته وتقديم ذلك بطابع كوميدي، كذلك الافتخار بالمظاهر والممتلكات، وممارسة التنمر على الآخرين والعنصرية بكافة أشكالها، ولكل مجتمع تصنيفه الخاص ومفهومه الخاص في موضوع التفاهة، بعض أنواع الرياضة مثلا تعتبر رياضة شعبية في مجتمع معين وتافهة في مجتمع آخر، يحدث هذا الاختلاف أيضا داخل المجتمع الواحد بين جيل وجيل. في هذا العالم الكبير تتهاوى الحدود بين دوله بقوة وسائل التواصل، أصبحت التفاهة تنتقل من دولة إلى أخرى بدون جواز وبدون تأشيرة، لا تكتفي بالدخول بل تتواصل مع كل مجتمع بلغة واحدة جديدة هي لغة التفاهة، هذه اللغة لا تحتاج إلى تعلم أو دورات تدريبية أو ترجمة، هي لغة عالمية مفتاحها ضغطة زر. رغم الانتشار السريع المقلق لظاهرة التفاهة واعتقاد البعض أنها تنتصر لأنها أصبحت تشمل كافة فئات المجتمع ومكوناته وتسيطر على حياة الناس فإن هذا الاعتقاد يبدو نغمة تشاؤمية، صحيح أن التفاهة انتشرت بسرعة بتأثير توفر وسائل التواصل للجميع لكنها ظاهرة غير قابلة للاستمرار أوجدتها ظروف متغيرة، الثقافة الاستهلاكية والانشغال بقضايا الموضة والممتلكات، والافتخار بأغلى السيارات بل بأرقام لوحاتها وأرقام الجوالات، هذه ظاهرة تشبه (نار القرطاس) التي تشب بسرعة وتنطفي بسرعة. الأهم في هذا الموضوع هو الحل التعليمي والثقافي لمنع تحول التافهين إلى قدوة في المجتمعات، لن تختفي التفاهة بشكل نهائي ولكنها على المدى البعيد لن تصمد أمام جيل المستقبل الذي سيتسلح بسلاح العلم والوعي، لن يتابع من ينشدون الشهرة بلا إنجازات أو إضافة أو إبداع. في نهاية المطاف، ورغم كل ما سبق، سوف ينتصر الحل الاستراتيجي من خلال التربية والتعليم والثقافة على التفاهة رغم قوة وسيلة تواصلها مع المجتمع ولن ينتصر نظام التفاهة لأنه بلا نظام.