عبر نقلة نوعية وردة فعل لنتاج التطور الذي دشنته الثورة الصناعية، انبثق الفن المعاصر كأحد قوالب التجديد الشامل للمفاهيم الفنية وطرق التعبير، بدءاً من نظرة الفنان للمجتمع والفن، ونظرة المجتمع للفن، عبر منهجية مؤسسة على التفكير الإبداعي المندفع نحو الخروج عن نواميس التقليدية، بتنوع يمزج المفاهيم بأسلوبية عرض غير مقيدة، للنحو عن السطحية والبعد الأحادي في الطرح، وتقديم أطروحات تتسق والمعاصرة ترنو عن المفاهيم المستقرة عن الجمال، لانتزاع وجود خاص والولوج في دائرة الوعي والخيال الخلاق، وهو ما دعمه "أدونيس" بامتلاك الفن والإبداع للفاعلية والتأثير في الواقع بحركة من التجاوز الخلاق نحو تكوين عالم موازي بديل. كونية الجمال من الإلهام الأفلاطوني "للفن التوليدي والذكاء الاصطناعي" يمثل الجمال عالم الحقيقة المجردة، التي لا تشوبها أي نواقص، حسب فلسفة أفلاطون التي ترتكل إلى أن الفن ما هو إلا أداة لنقل الحقيقةِ كاملة غير منقوصة وتوجيهِ الناس للخير، ثم "كانط" الذي انتقل من مرحلة الميتافيزيقا ذات البحث عن الجمال الفني والطبيعي، للمرحلة النقدية ذات البحث عن إمكانية إدراك الإنسان وحكمه على الجميل. ثم العصر الحديث ذي الإرهاصات الممهدة لتحولات في زوايا متشعبة من العمل الفني في (موضوع ووسائط وأهداف التعبير، ومفاهيم الإبداع الفني) عبر توظيف الوسيط، والإفادة من التقدم العلمي، والإلمام بالأشكال والذكاء التوليدي والاصطناعي، لتصبح لغة العلم مادة طيعة للإبداع، وتدشن المراوغة والمناورة الفنية ما بين الحلم والحقيقة، واستلهام الرؤى عبر دفق المشاعر دون ما تأويلات معنوية موضوعية. لتسهم التكنولوجيا بنقاش وجدلية حوارية حول ماهية الفنون التقليدية والذكاء التوليدي الاصطناعي ما بين تأييد انحيازي وتشكيك يقلل من قيمة المستحدث التكنولوجي وفن المكينة وقدرته على تسطير الأبعاد الروحانية والإنسانية، وجوانية الفنان وتعبيراته، والافتقار إلى التعبير والعواطف، في محاولات إحلال ديمومي لصالح القدرة على الانتقاء والتباديل، وحضور الفنان وفرض شخصيته وهيمنته على الحاسوب، والولوج لمسارات "اعتبارية فكرة الفنان" وتشخيص كينونته وإلهامه، بما يعزز أنسنة الشروحات التكنولوجية. فالساحة الفنية ومنذ القرن الماضي شهدت رؤى جديدة، ومراعاة ما يسمى "بالجغرافية النفسية للجمهور"، فظهرت جملة أعمال بتقنية الذكاء الاصطناعي عبر إدخال البيانات والمتواليات، لتقوم الخوارزمية بإنشاء أعمال تعلي الذائقة الفنية لدي المتلقي. وتشحن وجوبية الفنان لاستثمار معطيات الذكاء الاصطناعي لتطوير القدرات والمخيلة والجوانية في وجود الهيبة، وحضور المشاعر والإنسانية ودفق التعبير، ووضع الأنموذج، والاعتصام بآفاق رحبة نحو الانفتاح على مجريات عالمية الفن، للميل عن مناخات الركود وفتور المبادرات الإبداعية. الذكاء الاصطناعي التوليدي والمدخلات الصورية وفي ندوة أقيمت بإحدى الجامعات تحدد دور د. أحمد عبدالكريم بالرسم الحي المباشر أمام الطلاب في وقت زمني محدد بالأبيض والأسود لمفرداته الخاصة ذات الأسطورة الحالمة التي عززتها خبرات ورؤية وثقافة الفنان كنتاج لانطباعاته عن حقائق الموجودات عبر عنفوان وكثافة الخط ورسم الملامح الموحية والتسجيل الحيوي الشاعري. ثم تلا ذلك دور تغذية برامج الذكاء الاصطناعي بتلك الرسوم الحيوية اليدوية الإنسانية لابتداع رسوم ومشروع من خلال التجربة الشخصية لرسوم الفنان أحمد عبدالكريم، حيث ابتدعت د. سمية بهي الدين، أستاذ العمارة بكلية الهندسة، عدداً من تصميمات الأزياء المستوحاة من تلك الرسوم في صياغات حداثية معاصرة تعلي الأصالة والطلاقة الفكرية وتدعم الهوية وتدلل على التمكن في السيطرة على الآلة والبرمجيات وتوجيهها حسب روح الفنان لابتداع معاصرة نابضة وفق صياغة محتوى أصيل يتسق مع مدلولات فلسفية وجمالية، وإدخال الخوارزميات، لتجسيد دراما معاصرة مصاغة بصدق وتعبيرية. لتطرح د. سمية أفكاراً مبتكرة من الأشكال الصورية للفنان أحمد عبدالكريم، والتي تحفز مشاعر المتلقي وتصل لأعماقه، والتعبير بنفس الطريقة التي تعبر بها الموسيقى والشعر عن الأحاسيس، واستخدام البدائل المجردة عبر تقنية الذكاء الاصطناعي للتأكيد على التوازن بين الفكرة والأداء بأسلوبية تتسم بالبساطة. *الأستاذ المساعد بكلية التصاميم والفنون - جامعة أم القرى د. أحمد عبدالكريم ودراسات ورؤى لتغذية برامج الذكاء الاصطناعي