نقضي معظم يومنا في التواصل مع الآخرين، وبأساليب مختلفة ومتنوعة، وبفعل هذا التواصل تتشكل صداقات وتنشأ عداوات، وما تعتقد أنه كلمة عابرة قد يكون له مدلولة عند الآخر خارج سياق ما تقصده. في كثير من الحالات تتحدث مع أشخاص، فتود أنك عرفتهم منذ سنوات، وتتجاذب أطراف الحديث مع غيرهم فتضيق عليك الأرض بما رحبت من هول ما سمعت منهم من تشاؤم وكآبة وسوقية، ومحاولة للتدخل في خصوصياتك، فتؤثر الصمت شاخصًا ببصرك عنهم. في التواصل اليومي أكثر ما يزعجك هو الشخص الفضولي الذي يتحول إلى ماكينة أسئلة، فلا يترك شاردة ولا واردة إلا وسأل عنها، وقد يسأل شخص عن ابنه الذي يكنى به فيكتشف أنه لم يرزق بالأبناء، أو عن وظيفته وإذا به عاطل عن العمل.. وقس على ذلك. وسيد الأسئلة الفضولية هذه الأيام والذي يكاد يتشارك فيه الجميع، هل منزلك "ملك"، وش عنده مندوب "الإسكان"! إنه يمعن في وضع يده على جراح الآخرين بدافع الفضول، ولأنك ستجده متأهبًا في كل مجلس، كن مستعدًا بأن تجعل سقفًا للحوار لا يتجاوزه وتحدث عن عموميات، بدلاً من التركيز على الأسئلة الشخصية.. احرمه هذا الفضول. ولاشك أن الفضول قد يعد أمراً طبيعيًا وللأشخاص دوافع مختلفة للسؤال والتحقيق إلا أن هؤلاء الفضوليين بطبعهم يسببون الإزعاج للمحيطين بهم ولأنفسهم في ذات الوقت. وبعيدًا عن الفضول بهدف التعلم، فإن التسلط على حياة الآخرين والرغبة الملحة في معرفة الكثير عنهم، قد يكون حالة مرضية تستدعي العلاج. اللهم اشفهم.