شهدت المملكة خلال الفترة الماضة تطورًا كبيرًا فى جميع مجالات الحياة الاقتصادية مما أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية على مختلف المستويات وارتفاع نصيب المشترك من استخدامها واستهلاكها، ومن المعروف أن الطلب على الكهرباء يتكون عادة من محصلة الأنواع المختلفة والمتعددة من أحمال المشتركين (سكني، تجاري، حكومي، صناعي، زراعي، الخ) والتي عادة ما تختلف خصائصها بطبيعة تغيرها مع فترة ما من الزمن وكذلك مع تغير فصول السنة حيث تتأثر أنشطة المشتركين وبالتالي استهلاكاتهم للطاقة الكهربائية بتغير الجو والوقت والموسم، فعلى سبيل المثال تحدث الأحمال القصوى في فصل الصيف وذلك في معظم مناطق المملكة مما يتطلب تأمين قدرات كهربائية تكفي لمواجهة تلك الأحمال الذروية بكل كفاية وكفاءة وموثوقية واقتدار. ومن المعروف أيضًا لدى المهتمين والمختصين في صناعة الكهرباء أنها من أكثر الصناعات تكلفة وأجداها مردودًا إذا روعي في ذلك بين عمليتي إدارة الأحمال والتحكم في استهلاك الطاقة الكهربائية. وتعتبر دراسة وتحليل طبيعة وخصائص الطلب على الكهرباء (نمط الأحمال واستهلاك الطاقة) الخطوة الاولى فى دراسات وتطبيق أساليب وبرامج إدارة الأحمال وترشيد الطاقة. وتمثل هذه الخطوة أهمية قصوى لضمان نجاح تلك البرامج فى تحقيق أهدافها ولتجنب أي آثار سلبية قد تنتج بسبب عدم إمكانية تنفيذها على الوجه الأفضل والأسلوب الأمثل. ولهذا فإن معرفة إمكانات وقدرات جهة الإمداد (شركة الكهرباء) وخصائص وفئات جهة الطلب (المشتركون) يعتبر حجر الزاوية وأساس نجاح برامج ادارة الأحمال وترشيد الطاقة. ولتحقيق هذه الخطوة يلزم دراسة وتحليل خصائص وطبيعة تغيير الأحمال كل ساعة خلال اليوم لتبيان وإيضاح شكل ونمط متغيرات الطلب اليومية وكذلك السنوية وخلال شهور فصول السنه ومعرفة تأثير الأحوال الجوية والمناسبات الاجتماعية والدينية عليها. كما أنه يلزم التعرف فى وقت مبكر على كيفية وطبيعة الأحمال المستقبلية والعوامل المؤثرة عليها وعلى نموها. بالاضافة إلى ذلك، فان هذه الخطوة تشتمل على تصنيف المشتركين وعاداتهم ومستوياتهم الاقتصادية ونمط استهلاكاتهم للطاقة وتحديد كبار المشتركين وطبيعة وحجم أحمالهم ومقدار مساهمة كل صنف فى الحمل الكلى. وقد يتطلب الامر إجراء دراسات تفصيلية وبحوث خاصة للبعض منها (بحوث الحمل) وخاصة فى حالة عدم توفر بيانات لمعرفة خصائص وطبيعة بعض الأحمال الهامة. كما أنه قد يكون من الضروري دراسة نوعية وخصائص الأجهزة والمعدات الكهربائية المستخدمة والتطورات المستجدة في تقنياتها ومقنناتها وأدائها وكفاءتها. وتختلف العوامل المؤثرة ودرجة تأثيرها على تغيير منحنى الحمل من حالة إلى أخرى ومن نظام إلى نظام طبقا للظروف الجوية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الظروف السياسية. ولتوضيح أهمية العوامل المؤثرة على تغير الأحمال الكهربائية بالمملكة فهناك عدد من العوامل المحددة التى قد تكون ذات تأثير جوهري على خصائص جهة الطلب (مستهلكو الطاقة الكهربائية) ومنها أولا العوامل المناخية والجوية والتي ترتفع فيها درجات الحرارة في فصل الصيف في معظم مناطق المملكة لتصل إلى معدلات عالية مما يجعل من الضروري استخدام أجهزة التكييف لساعات طويلة مما يعني تنامي الأحمال وتزايدها. كما أن انخفاض درجات الحرارة فى فصل الشتاء فى بعض المناطق (الشمالية والجنوبية) يتطلب استخدام أجهزة التدفئة وسخانات المياه الكهربائية مما يتسبب فى ارتفاع الأحمال عند انخفاض درجات الحرارة. وعلى وجه العموم فان المناخ القارى للملكة والذى يتميز بالتباين الشديد بين درجات الحرارة القصوى والدنيا خلال فصول السنه من موسم لاخر يؤثر بشكل كبير على حجم الأحمال، ويؤدي فى معظم الأحوال إلى وجود فارق كبير بين مستويات الأحمال القصوى والدنيا. كذلك يزداد الطلب على الكهرباء خلال شهر رمضان المبارك لتزامن أنشطة الحياة اليومية سواء فى العمل أو المنازل أو المساجد أو الأسواق، كما يزداد الطلب على الكهرباء فى مواسم الحج وفترات العمرة فى كل عام وخاصة فى المنطقة الغربية حيث يفد عدد كبير من الحجاج والمعتمرين من خارج وداخل المملكة إلى تلك المنطقة لاداء الفرائض والشعائر الدينية، كما تؤثر الانشطة الدراسية ومواعيد الامتحانات وعودة المسافرين من الاجازات السنوية فى استهلاك الطاقة وبالتالي ينعكس ذلك على تكالب الأحمال الكهربائية في أوقات متزامنة مما يؤدي لارتفاعها وتعاظمها في فترة زمنية واحدة. إلى جانب ذلك، هناك اختلاف بين التقويمين الهجري والميلادي بما معدله أحد عشر يومًا، لذا فإن توقيت المناسبات الدينية (رمضان والحج والعمرة) ومواعيد الدراسة والامتحانات تتغير بالنسبة لفصول السنة، وهذا يعني أن فترات الأحمال القصوى ليست ثابته وإنما تتغير مع تزامن وتوافق هذه المناسبات مع فصل الصيف، ولذلك فان طبيعة وخصائص الأحمال تتباين وتتفاوت من سنه لأخرى بسبب هذه الاختلافات، وهنا لا نغفل مساهمة الحمل الصناعي كمستهلك حيث إن له خصائص مختلفة عن خصائص الأصناف والفئات الأخرى من المستهلكين حيث إن الآلات والمعدات والأجهزة الصناعية من طبيعتها أن تهدر طاقة كهربائية لا يستهان بها في الملفات والمحركات الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الطاقة واتساع الهوة بين الحمل الذروى والحمل الأدنى وذلك لأن طبيعة الأحمال الصناعية تتميز بتوزيع استهلاكي للطاقة شبه ثابت على مدار اليوم فى حين تتغير الأحمال الأخرى وتتذبذب بشكل كبير وبخاصة مع تغير المواسم والأحوال الجوية، وإخيرًا لا بد من التنويه عن كيفية التعاون والتفاهم والتنسيق بين جهتي الإمداد والطلب لتوفير وترشيد استهلاك الطاقة فيما يعرف بإدارة الأحمال وهو في أبسط معانيه يعني إزاحة الأحمال الكهربائية وتأجيلها إلى فترات محددة أخرى وعدم تحميل النظام الكهربائي بأحمال عدة في أوقات متزامنة، وهناك فترة يعلو فيها استهلاك الطاقة وهي التي تقع في فصل الصيف بين الساعة الثانية عشر ظهرًا والرابعة بعد الظهر حيث الاستخدام المكثف لأجهزة التكييف، وفي هذه الفترة لا يحسن تشغيل أجهزة مثل الغسالات وأجهزة الكي والتنظيف بل إرجاء ذلك إلى فترات يقل فيها الحمل الذروي، والمعروف عن الطاقة الكهربائية أنها طاقة آنية ذات طلب واستخدام آني إذ لا يمكن تخزينها، كما أن الترشيد لا يعني عدم استخدامها والاستمتاع بها في تيسير الحياة وإنجاز الأعمال فشركات الكهرباء تعتمد أساساً في دخلها على مبيعات الطاقة الكهربائية، وقد بينت دراسات عملية أن ازدياد استهلاك الطاقة الكهربائية بإدارة فاعلة وترشيد منظم يفضي في النهاية إلى تخفيض سعر التكلفة لوحدة الطاقة (الكيلو واط ساعة) لأن الشركة ستفقد جزءًا من عائداتها إذا كانت المولدات الكهربائية تدور دون أن يكون هناك أحمال كهربائية في الطرف الآخر تستهلك وتستفيد من تلك الطاقة. وختاما، علينا أن ندرك بأن الكهرباء نعمة من النعم الوفيرة والكثيرة التي أنعم الله بها علينا، كما علينا أن نعي أيضا بأنها تنتج بتكاليف باهظة وتصل إلينا كمستهلكين ومستفيدين سهلة وميسرة، فيجب علينا إذن أن نحرص على حسن استخداماتها والتعامل معها حتى نحافظ عليها وننعم بمزاياها ومنافعها محققين وممتثلين لقول الرب تبارك وتعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)الإسراء: 26( إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء: 27)". * الأستاذ بجامعة الملك سعود