مما علق في ذهني، صغيراً وكبيراً، ما يتعلّق في الغرب أنّى كان وكيف كان، وكأنّ بضاعة الغرب محصورة مقصورة في التفسّخ والعريّ والقيم الشاذّة. ولقد كان المقصد من الحديث الدّيني عنهم وعن حياتهم هو التنفير منهم ومحاولة محاربة «العلمانية» أو «الليبرالية»!، ولكن الطريقة كانت بأسلوب ساخر ولمز فاهر دون أي ضوابط للعدل والقسط التي أمر بها الإسلام ونبيّ السلام (ص)، ولو أنّ تلك الأفكار كانت تتكلّم عن منطلقات الإيمان وتعزيزها، وكانت حديثاً عن الخواء الرّوحي الموجود عند من لا يؤمن بتوحيد الله تعالى لكان أمراً جيّداً وحدثاً عظيماً، ولكن المؤلم أنّ كثيراً من الحديث عنهم كان يتناول حتّى حياتهم الطّبعيّة الجبليّة من حُبّ وبغض وخيانة ووفاء؛ وكأنّهم من كوكبٍ آخر، أو هم مخلوقون من غير طينة آدم! وما زلت أذكر أنّهم كانوا يلمزون الأمّ الغربيّة والزوجة الغربيّة والبنت الغربيّة ويلمزون أزواجهم واصفين إياهم بالخيانة وسوء العشرة دائماً! وهذا والله من الظلم البين الذي لا يقرّه العقل ولا الدّين. وصحيحٌ أنَّ لدى الغرب بعضٌ من هذا، ولكن هذا أسوأ ما فيهم، ومن العدل والإنصاف إظهار أحسن ما فيهم أيضاً! والله سبحانه وتعالى قال: «وإذا قلتم فاعدلوا» وقد كان النبي (ص) من أعدل الناس حتى مع ألدّ أعدائه وأشدهم عليه أذى وقذى. ووقوعهم بالكفر ليس مبرّراً لشتمهم ولمزهم فيما يتعلّق بأمر أخلاقهم وحسن أفعالهم وتعايشهم في أمر دنياهم. وعندما كان النبي (ص) مرة في إحدى غزواته وقد ظفر بعدوّه فكان من ذوي العدوّ امرأة تبحث عن ولدها حتى إذا لقيته أخرجت ثديها فألقمته إياه فقال(ص): أتظنّون أن هذه ملقية ولدها في النّار! قالوا: لا، قال: لله أرحم منكم من هذه بولدها. فتأمّل كيف أن النبي (ص) أثبت عندها الجبلّة التي فطرت عليها الأمّهات سواء كنّ مسلمات أو كافرات، ولكن العجيب أننا كنا نسمع ونقرأ لبعضهم وهو يتحدّث عن الأم الغربيّة وكأنّها ليست بأمّ! وكأنّها كائنٌ فاقدٌ للحنان والاهتمام بالذريّة والولد! لست أنسى أنّ بعضهم يلمز الأمّ الغربيّة ويستشهد بقصّة شاذّة لامرأة غربيّة وهي تضرب ابنتها وتؤذيها، ويظلّ بعضهم يستشهد بصور شاذّة كتعنيف أسْري واعتداء جنسيّ وغيره، وهو بالضبط كحال ما يحصل مع بعض الآباء المسلمين والأمهات المسلمات. بينما الحقيقة في الغرب تقول: إن لديهم حرصاً شديداً على أبنائهم ولهم اهتمامٌ بالغ في تربيتهم، بغض النظر عن القوانين والنظم التي تسنّها تلك الدول في مجالات التعليم والتربية مما ينافي القيم والمُثُل. ولك أن تلاحظ الكمّ الهائل من العروض المقروءة والأفلام والمسلسلات الغربيّة التي تتحدّث عن الأسرة والدفاع عنها والتضحية لأجلها وتقبّل الموت دونها. لست أنسى أنّ بعض المتحمّسين يتكلّمون عن خيانات الأزواج الغربيّين مع زوجاتهم والعكس، ولكن المتأمّل والمسافر لتلك الديار يجد أن الوفاء بين الأزواج ظاهرٌ شاهرٌ، فترى رجلاً يتكئ على عصاه وبجانبه امرأة عجوز مثله يقوم بالاهتمام بها وبمساعدتها رغم ضعفه وهشاشة عظامه! أولم نتأمّل كلام النبي (ص) وحديثه عن وفاء أهل الكتاب مع زوجاتهم؟ فقد جاء في حديث صحّحه الألباني وغيره أن النبي (ص) قال: (إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، فإنهن أمهاتكم، وبناتكم، وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما يعلق يداها الخيط؛ فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموت هرماً) فتأمّل كيف أن النبي (ص) يثني على أهل الكتاب في حسن وفائهم لزوجاتهم! فيذكر النبي (ص) أن أحدهم يتزوّج البنت وهي صغيرة ويظلّ هو وفيّاً لها وهي وفيّة له حتى يطول بهما العمر فيهرما وهم على ذلك الوفاء. الكثير منّا لا يفرق في الحديث بين ثقافة الشعوب وربّما تحرّرها من بعض القيم المحافظة وتشبّثها بحرية مطلقة تشجّع على الشذوذ وسيئ الأخلاق، وبين ما عندها من حسن العشرة وروعة الأخلاق وجمال المعاملة. فهل نسينا أن النبي (ص) أثنى على كثير من المشركين لكرمهم أو حسن أخلاقهم، ولم يكن كفرهم مانعاً من ذكر محاسنهم، فهل من الجيّد أن نستعمل الظلم في القول لنبغّض الناس عن بعض أخلاق القوم وأعمالهم السيئة! ولو أنّهم كانوا منصفين في التحذير، صادقين في التبرير، عادلين غير عاطلين، لرأينا جيلاً يعرف ما يأخذُ من الغرب وما يذر، ولكنه خرج حانقاً على المغالطات الكثيرة التي جعلته يتّخذ طريقاً مأساوياً إمّا بهروب حقيقي وذهابٍ لتلك البلاد الغربيّة، أو هروب من القيم والأخلاق والعادات الحميدة والشذوذ الأخلاقي طمعاً في الظهور والشهرة، والله المستعان.