استوقفني سؤال من أحد الأصدقاء في جلسة قهوة سعودية يبدو أنها أثارت شجون التساؤلات العميقة لديه، وهو يتحدث معي عن الدوري السعودي والصفقات الحالية وأبعادها الثقافية والتسويقية والاقتصادية على المملكة. ليثير تساؤلاً وجيهاً؛ لماذا التعاقدات الضخمة والرغبة في التطوير في هذا الوقت تحديداً؟ وهل هو الوقت المناسب؟ خصوصاً أن المتتبع للقرارات السعودية في السنوات الماضية يجد أنها دائمًا ما تكون مبنية على دراسات واستراتيجيات على المدى القريب والبعيد. انطلقت معه من الصورة الكبرى للتحولات في المملكة، لبلد يسعى بكل جدية ليكون النموذج الرائد في كل المجالات؛ وهذا بحد ذاته يمثّل سببًا وجيهًا لولوج عالم كرة القدم العالمية من بابها الواسع! وليس هناك تمهيد أفضل من المستوى الذي قدمه المنتخب السعودي في كأس العالم وفوزه على حامل اللقب «الأرجنتين» في المباراة التاريخية، التي مثلت قيمة تسويقية لا تقدر بثمن، وكانت شرارة الطموح لتطوير صناعة كرة القدم بمستوى يليق بثقل المملكة العربية السعودية. وعلى المستوى الاقتصادي فيمكن لعوائد البث التلفزيوني مستقبلاً وحصص الأندية السعودية منها أن تتجاوز أرقام التعاقدات الحالية والمستقبلية وهو الأمر الذي يجعلها أكبر من مجرد رياضة، بل يمكن أن تمثل رافداً اقتصادياً يساهم في تعزيز اقتصادنا المحلي، خصوصاً إذا ما علمنا أن نادي الهلال تجاوزت إيراداته أكثر من 700 مليون ريال قبل إحضار النجوم العالميين للأندية السعودية وقبل بيع حقوق البث التلفزيوني، في منافسة جادة مع الدوري الإنجليزي الذي تتنافس عائداته مع ميزانيات بعض الدول حيث بلغت قرابة 50 مليار ريال في العام 2022. ليبقى التساؤل الأخير حول الجدوى التسويقية والقيمة الحقيقية لأكبر البطولات القارية، فبطولة أبطال آسيا ليست بحجم أبطال أوروبا، فلماذا نستثمر في نجوم عالميين؟ والواقع أن المستقبل الآن سيكون لبطولة العالم الأندية بعد أن تغير نظامها لتصبح مماثلة لكأس العالم للمنتخبات، فهي البطولة الأقوى التي سيشارك فيها أقوى الأندية من كل قارات العالم وبالتالي بالنظر لكل النواحي التسويقية والاقتصادية والثقافية؛ وصلنا لخلاصة مفادها أنه لا يوجد وقت أنسب من هذا الوقت للاستثمار في كرة القدم والدوري السعودي، وهو ما يؤكد حكمة القيادة ويزيد من خطط نجاح الرؤية. إن استمرار هذا العمل باستراتيجية بعيدة المدى يمكن أن يكون علامة فارقة حتى على مستوى الدبلوماسية العامة، فالدوري السعودي الذي يشاهده العالم ويتنافس المراهقون بأنديته على أجهزة «البلاي ستيشن» يمكن أن يمثل مدخلاً ثقافياً وسياحياً نجني أثره خلال الأعوام القادمة.