بعد خسارة قادتها الثلاثة الأكثر نفوذاً، تراجعت صورة مجموعة "فاغنر" الروسية إلى حدّ بعيد، لكنها تبقى رغم ذلك نموذجا لمنظمة مسلحة، على ارتباط غير مباشر بالدولة الروسية مرنة في تحركاتها، وهو نموذج يتوقّع أن يستمر. في الوقت الذي فقدت فيه المجموعة المسلحة زعيمها الذي تميز بحضوره القوي يفغيني بريغوجين، فقدت فاغنر الرجل الثاني ديمتري أوتكين والمسؤول عن اللوجيستيات فاليري تشيكالوف. ما سيؤثر بشكل واضح في طريقة عملها وتسييرها. نعت الحركات اليمينية المتطرفة الروسية النشطة داخل المجال العسكري على الإنترنت المجموعة بحرقة، على ما يفيد المحلّل لوكاس ويبر، أحد مؤسسي شبكة الأبحاث "ميليتانت واير". ويقول، "إنهم يتحدثون عن نخبة سياسية وعسكرية منفصلة عن الواقع. في المقابل، احترموا لدى بريغوجين شخصيته الشجاعة، وأنه لم يكن يهاب انتقاد كبار قيادات الجيش، وكثيرًا ما تفقد رجاله في ميادين المعركة". يتحدث البعض عن الانتقام له. لكن هذه التهديدات يصعب تنفيذها على المدى القصير، "بالنظر إلى الطريقة التي اتبعها الكرملين في عزل فاغنر، وتشديد المراقبة عليها" بعد أن تجاوزت المجموعة المسلحة حدودها بتمردها في يونيو الفائت، ولم يعد ممكنًا لها أن تفلت من غضب الرئيس فلاديمير بوتين. مقتل بريغوجين، يترك المجال مفتوحا أمام الرئيس الروسي لإعادة التفكير في هيكلة هذه الإمبراطورية الموازية، والتي ربما دفعت ثمن الاعتقاد بأنها قوة لا تقهر. كما ستكون فرصة لإعادة بلورة صورة قطاع الشركات العسكرية الخاصة الروسية. رجل واحد كتبت الخبيرة في الجماعات المرتزقة في مركز الأبحاث "سي اس اي اس" في واشنطن كاترينا دوكسي "أحد الدروس التي ربما استوعبها بوتين من تمرّد يونيو الفائت، هو خطر منح الكثير من السلطة والمسؤولية...لرجل واحد". وتابعت "إذا أرادت روسيا الحفاظ على نموذج الشركات العسكرية الخاصة، في سياستها الخارجية ومساعداتها الأمنية، فمن المرجح تنويع السوق" لغلق الطريق أمام فرضية ظهور بريغوجين آخر. وبالفعل تتواجد حاليا العديد من الشركات الأخرى على غرار "ريدوت" و"كونفوي" و"باتريوت". و"لكي تنجح هذه الفكرة، فإنها تتطلب توافر مجموعة من الشروط، بما في ذلك شد انتباه بوتين فضلا عن القدرة التمويلية، وامتلاك أداة للتأثير"، على ما تبين لو أوزبورن، من منظمة "أول آيز أون فاغنر" غير الحكومية. وتوضح أن الشركات الأخرى "لديها حضور أقل بكثير من فاغنر وهي وأقل نجاحًا منها، لكنها تتبع البنية نفسها"، مشيرة إلى أنه قد انضم لها منشقون عن فاغنر تربطهم علاقات وثيقة مع المخابرات العسكرية الروسية. ومن المرجح أن يؤدي الكرملين معها، كما هي الحال مع فاغنر، دورا مزدوجا، بين التحكم بها ودعمها من جهة، والبقاء على مسافة كافية منها من جهة أخرى حتى لا يضطر إلى تحمل مسؤولية كل أفعالها وتصرفاتها خصوصا في دول أفريقيا. كما أنه "من المتوقع أن تمارس الدولة الروسية مزيدًا من السيطرة المباشرة، على هذه الشركات العسكرية الخاصة في البلدان الأجنبية، من دون الاعتراف الكامل بأنها تخضع للسلطة المباشرة للكرملين"، في تقدير الباحثة في معهد الاستخبارات الخاص البريطاني "جينس"، أديتيا باريك. لا تتجاوزني لكن تظل طريقة تفكيك مجموعة فاغنر مستقبلا غير مؤكدة حتى يومنا هذا. تقول كاترينا دوكسي، أن ذلك يمكن أن يتم من خلال "منحها اسمًا جديدًا، وتقسيم الشركات الموجودة في فلك فاغنر إلى كيانات منفصلة"، ومن ثم ربما تأميمها أو الاحتفاظ بها شبه مستقلة. ولكن لن يكون الولاء للكرملين محلّ نقاش وتفاوض. وتقول لو أوزبورن مستخدمة عبارة ساخرة في الإشارة إلى تحطم الطائرة "الألعاب النارية ليلة الأربعاء تبعث برسالة واضحة للغاية: لا تتجاوزني، إنها مسألة بقاء". غير أن موسكو لا تستطيع الاستغناء عن مثل هذه الأداة، التي أثبتت نجاعتها لسنوات، في إفريقيا والشرق الأوسط، ولكن أيضاً في الحرب التي أطلقها بوتين على جارته أوكرانيا. الأمر الذي يؤكده الباحث في معهد أبحاث المدرسة العسكرية "إرسم" في باريس ماكسيم أودينيت بالقول "أحدث النجاحات التكتيكية في أوكرانيا كانت بفضل فاغنر". ويتابع "دون تكرار الأخطاء نفسها، يبدو التوجه فعليا للحفاظ على هذا النموذج العملي المتمثل في الهياكل غير النظامية، والمرنة القادرة على التخلي عن الروتين البيروقراطي، الذي تواجهه الهيئات الرسمية للتدخل حيث لا ترغب الدولة في التدخل بشكل مباشر". ومع ذلك، لن يكون التحول سلسا حتى في غياب بريغوجين لمقاومة تفكيك إمبراطوريته ومشروع حياته. ويعتبر الصحافي الاستقصائي الروسي دينيس كوروتكوف "كان بريغوجين يتمتع بحرية كبيرة في العمل، وقدرة كبيرة على العمل، وحماس واضح، ومهارات تنظيمية مؤكدة، ولم تكن لديه رغبة في الاثراء الشخصي". ويخلص "لا أرى أحدًا يشبهه".